صدر في الأيام القريبة الماضية التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس حول التنافسية الشاملة للاقتصاد 2009 2010، وتمّ تصنيف البلدان اعتمادا على 12 مقياسا نوعيا وكميا تهمّ عديد الميادين الحيوية لحياة المجمّعة. وجاءت تونس في المرتبة 55 عالميا في مجال استقرار الاقتصاد الكلّي، وتقدّمت بما يعادل 20 مرتبة مقارنة بترتيب السنة الماضية. وهذا المعطى لافت ويستوجب القراءة والتثمين. فنحن نعيش عالميا، وعلى امتداد السنة الماضية، على وقع الأزمة الاقتصادية العالمية التي تضرّرت بمفعولها الأشخاص والمؤسسات والنظم الاقتصادية المحلية والاقليمية والدولية، ورغم هذا الوضع الصعب عالميا فإن بلادنا أحكمت التعامل مع تبعات هذه الأزمة، وفي ذلك دلالات لا تخفى حول السياسة الحكيمة التي ينتهجها النظام التونسي الساعي إلى كسب رهان الأهداف الطموحة التي رسمها الرئيس زين العابدين بن علي ضمن البرنامج الانتخابي لتونس الغد، والتي تمحورت حول السعي المرحلي للارتقاء ببلادنا قصد تيسير التحاقها بمجموعة الدول المتقدمة. ولاشكّ في أن نجاح هذه المسيرة رغم الصعوبات الطارئة عالميا يؤكّد أهمية المناخ العام الذي نعيش فيه على امتداد العقدين الأخيرين، وهذا ما يدعمه التقرير الصادر عن مؤسسة غلوبل بيس اندكس (G.P.I)، والذي يضع تونس في صدارة لائحة البلدان الافريقية في مستويات الاستقرار الاجتماعي الداخلي والأمان والعلاقات المتوازنة. ويعود نجاح المسيرة التونسية إلى عدد من الثوابت التي يحسن إبراز أهمّ عناصرها، وهي وإن كانت عديدة فإننا نكتفي بإبراز ثلاثة وجوه منها. لعلّ السمة البارزة الأولى تتمثل في تجذرنا في فضائنا المتوسطي بما يحمله من ملامح التاريخ والاستفادة من تعاقب الحضارات ونجاح عملية الامتزاج أخذا وعطاء. أما السمة الثانية المؤهلة لهذا النجاح في المسيرة فتتمثل في وضوح الرؤية السياسية في تخيّر نمط المجتمع المؤمّل تحقيقه، القائم على العقلانية والتسامح ونبذ التطرّف، والمنخرط في منظومة الحداثة. ولعلّ السمة الثالثة الهامة المؤذنة بنجاح المسيرة تتمثل في تجاوز المحلية الضيّقة إلى الاسهام في معالجة القضايا العالمية الهامة، ونذكّر في هذا السياق بمبادرة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي بطلب انشاء صندوق عالمي للتضامن، وكانت الجمعية العامة قد وافقت على هذه المبادرة، وأحدثت هذا الصندوق الهادف إلى مقاومة الفقر. إن نجاح التجربة التونسية في مجال النمو صار واقعا ملموسا، وجاءت الشهادات ضمن التقارير الدولية لتؤكد أننا على درب التقدّم، وأننا في الطريق الصحيحة لبلوغ الغايات المنشودة، ويتطلب منّا هذا الوضع مزيدا من البذل والعمل لكسب عديد الرهانات في عالم تحفّ به المخاطر والصعوبات، إلاّ أن تحقيق الأهداف ممكن في ضوء انخراط كافة الفئات في المشروع الحضاري الذي رسمه سيادة الرئيس لهذا الجيل، والكفيل بجعل بلادنا تطمح إلى الانخراط في مجتمع المعرفة وفي عالم الحداثة، دون الابتعاد عن عراقة تاريخنا وأصالة تراثنا وعمق ثقافتنا.