ساعات قليلة قبل فتح مكاتب الإقتراع أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم واختيار رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب ، جدّد الرئيس زين العابدين بن علي البارحة في كلمة توجّه بها للشعب التونسي عزمهُ على أن تتمّ العملية الانتخابيّة في ظلّ الاحترام الكامل للقانون ولإرادة الشعب وأن ينتهي هذا «الاستحقاق الانتخابي» كأبهى ما يكون دون تجاوزات أو تزييف أو تدليس متعهّدا باتخاذ كلّ الاجراءات والتدابير إذا ما ثبت وقوع مثل هذا السلوك. إنّها رسالة واضحة وجليّة في صيانة إرادة الشعب وحقّه في الاختيار الحر والانتخاب في إطار الشفافيّة والنزاهة ، وكان السيّد الرئيس هيّأ منذ فترة الظروف والأسباب حتّى يجري هذا الاستحقاق الانتخابي في أفضل الظروف وفي إطار الشفافيّة والنزاهة إذ تمّ إجراء العديد من التعديلات على مستوى الدستور والمجلة الانتخابية فتمّ سنّ أحكام دستوريّة استثنائيّة مكّنت رؤساء الأحزاب وأمنائها العامين من الترشّح إلى رئاسة الجمهوريّة وتمّ خفض سن الانتخاب إلى 18 سنة حتّى تتمكّن شرائح شبابيّة واسعة من حق الانتخاب وتمّ كذلك التخفيض في عدد مكاتب الاقتراع لتسهيل عمل الملاحظين والمراقبين ومتابعة عملية سير الانتخاب في أفضل الظروف وأحكمت الإدارة عملية توزيع بطاقة الناخب ، ولاحقا تمّ تمكين كلّ المترشحين في الرئاسيّة والتشريعيّة من فرص متساوية في الدعاية الانتخابية عبر مؤسستي الإذاعة والتلفزة وفي استغلال متكافئ للفضاءات العامة وأماكن التعليق لتبليغ تصوراتهم وآرائهم والاتصال بالمواطنين والناخبين وطرح ما لديهم من بدائل سياسية ومجتمعيّة واقتصاديّة وثقافيّة. مضامين متعدّدة وجدل ثري والمُتابع لمجريات الانتخابات الراهنة في تونس يلحظُ مدى التطوّر الهام المسجّل على مستوى لا فقط المضامين الدعائيّة والانتخابيّة بل انفتاح حالة من الجدل الثري والبناء بين مختلف الفاعلين السياسيين وعبر التفاعل مع مختلف أطراف العملية الانتخابيّة من إدارة وأحزاب وقائمات مستقلة والمرصد الوطني للانتخابات إضافة إلى انفتاح «المشهد الانتخابي» أمام كلّ الراغبين في الإطلاع على أدقّ تفاصيله من الدول الصديقة والشقيقة والشخصيات المستقلّة والمُحايدة. فطيلة الحملة الانتخابيّة والّتي جرت وكما تمّت مُعاينتُهُ من قبل وسائل الإعلام المحليّة والأجنبيّة والمراقبين والملاحظين من داخل تونس وخارجها في مشهد حضاري ، لم تتجاوز التنافسيّة الانتخابيّة والدعائيّة على مدار ما يُقارب الأسبوعين وفي كلّ الدوائر الانتخابيّة ما هو مسموح به ومتعارف عليه من تجاذب سياسي وتطارح للأفكار ورغبة في استقطاب الناخبين ، ولم يرصد متابعو هذه الانتخابات أيّة أحداث عنف مادي أو لفظي طيلة الحملة الانتخابيّة بل على العكس من ذلك جرى جدل ثريّ وهام يراهُ عديدون مؤشّرا إيجابيا لتحقيق مزيد من الرقيّ في الأداء الانتخابي التونسي خلال المواعيد المقبلة. لقد جرت الحملة الانتخابيّة في أجواء من التنافس النزيه والبناء وفي إطار احترام القانون وعبر سلوك سياسي رشيد ومتحضّر وأمكن لكلّ المترشحين من التحرّك وعقد الاجتماعات وتعليق المعلقات وتوزيع البيانات الانتخابيّة والاتصال بالناس والمواطنين. ومن المؤسف والبلاد تعيش مثل هذه اللحظات التاريخيّة الهامّة، أن يلجأ قلّة قليلة من التونسيين المحسوبين على أطياف مُعارضة إلى التشكيك وقراءة مجريات عملية الاقتراع المقرّرة لنهار اليوم بصفة مُسبقة والتحامل المفضوح على «صناديق الاقتراع» والتقليل من «إرادة الناخبين» والذهاب إلى الخارج للاستقواء بأطراف أجنبيّة وشحنها ضدّ صدقية الممارسة الانتخابيّة والتجربة التعدّديّة في البلاد ، في سلوك «غريب» و»هجين» ينمّ عن ما يُشبه الحقد الدفين تجاه الوطن وشعبه. لقد كشفت مجريات العملية الانتخابيّة الراهنة حالة من الضعف والوهن لدى أحزاب سياسيّة وكذّبت معطيات الواقع بما فيه من حراك وديناميكيّة وثراء طروحات البعض مّمن اختار نهج «العبثيّة» والقراءات السوداويّة والتشكيك في الحقائق وتطورات المشهد السياسي والانتخابي في تونس. موقع ضعف وافتراءات هناك من اختار ومن موقع الضعف أن يعمُد إلى سلوكات المغالطة والتزييف والانتقاد «الممجوج» الخالي من كلّ واقعيّة أو موضوعيّة ، وأمام زيف مثل تلك الشعارات ما من شكّ في أنّ أسئلة عديدة تُطرح حول معاني المصلحة الوطنية وقداسة الوطن الّتين يجب أن تكونا في بؤبؤ عين كلّ تونسي غيور على وطنه ، إنّ سلوك الانتهازيّة السياسيّة ولّى وانكشف و«افتضحت» منه روائح الافتراء والتحريض الأعمى على الوطن وقداسته،إذ من الغريب أن تعمد أطراف قبلت دخول المعترك الانتخابي قبل أن تنسحب منه بعد تأكّدها من حالة ضعفها وتآكل وضعيتها التنظيميّة وخسارتها لمصداقيتها ووجاهة خطابها لدى الناس إلى الالتجاء إلى المهاترات الإعلاميّة والقدح في سلامة التمشيّ السياسي الإصلاحي والّذي كانت هي أحد ثماره والتشكيك في نتائج الانتخابات قبل فرز الأصوات بل قبل حتى فتح مكاتب الاقتراع أمام الناخبين ، كما أنّه من العجيب أن يُصدر بعض المبتعدين عن الشأن السياسي المحلّي أحكاما اعتباطيّة ليس فيها موضوعيّة ولا عقلانيّة ، كما أنّه من عجائب هؤلاء المتحاملين على الوطن وشعبه أن يعمدوا إلى المغالطة والقول بعكس ما هو موجود على أرض الواقع ومن الأمثلة على ذلك مرشّح حركة التجديد للرئاسية الّذي سمعه العالم يتحدّث في قناة تونس 7 كما شاء وعنّ له عن ما له من مطالب وانتقادات واعترف بنفسه بأنّ كلمته المتلفزة لم يقع المساس بحرف واحد منها ، كما عقد الاجتماعات العامة في الفضاءات العموميّة وتجوّل بكامل الحريّة بين أنصاره ومناصريه في كامل جهات البلاد. إنّ منطق المشاركة يقتضي القبول بنتائج العملية الانتخابيّة وتثبيت سلامتها أو بيان أوجه الخلل المدعّم والموثّق فيها لا رميها بالتشكيكات والافتراءات والأكاذيب وملء الأجواء من حولها بالتهريج السياسي والإعلامي والأحقاد الدفينة والأحكام الاستباقيّة الرديئة والسلبية، ولا يفعلُ مثل ذلك الفعل أو ينهجُ مثل ذلك النهج إلاّ من به حولٌ أو رغب في التحامل على الوقائع وكنس الحقائق البيّنة. لقد أفزع أمثال هؤلاء حزم الإدارة في تطبيق القانون وأرعبهُم توجّه الرأي العام المحلّي والدولي إلى كشف أوضاعهم وأحجامهم الحقيقيّة في الانتشار والتمثيل الشعبي والجماهيري لذا عمدوا إلى ما عمدوا إليه من سعي محموم للتشكيك والمغالطة والمزايدة والافتراء، وما من شكّ في أنّ أقوالا وسلوكات مثل هذه تبقى في حاجة مؤكّدة إلى المساءلة في حال خلوّها من مستندات وبراهين وإلاّ ازداد العيبُ في رغبة محمومة في القفز على القانون والتعامي على حقائق الواقع. سلوك انتخابي وممارسة متطوّرة ولكن ، وحتّى قبل انتظار نتائج صناديق الاقتراع فقد كانت «انتخابات تونس 2009» خلال فترة تقديم الترشحات ومرحلة الحملة الانتخابيّة متميّزة بسلوك حضاري وممارسة انتخابيّة هادئة ورصينة انتهت بالعديدين إلى الاندماج وسطها والخوض فيها على قاعدة رفض البقاء خارج دائرة الفعل السياسي والانتخابي وإيمانا منها بحجم الخطوات المقطوعة على درب التعدّدية الفعليّة والديمقراطيّة الممثّلة لكلّ الحساسيات والتوجهات الفكريّة والسياسيّة. ومن علامات الغبطة والسعادة والزهو لدى ليس المتابعين والناخبين فقط بل وأساسا لدى المترشحين لهذه الانتخابات أن يأتي رئيس الدولة ليلة الانتخابات ويؤكّد وبصرامة عدم سماحه بوقوع أيّ تجاوزات واستعداده لاتخاذ كلّ الإجراءات والتراتيب في حال وقوع عكس ذلك ، وهي رسائل للقائمين على مجريات عملية الاقتراع المقرّرة لهذا اليوم لاحترام إرادة الناس وضمان عملية اقتراع نزيهة وشفافة، وهي كذلك تطمينات لكلّ المترشحين بأنّ حظوظهم وفرصهم ستكون متكافئة اليوم في صناديق انتخابية خالية من كلّ عمليات التدليس أو التزييف. إنّها رسائل حازمة في صيانة إرادة الشعب في الاختيار الحر وحق المترشحين في فرز شفاف للأصوات والنتائج، وهي رسائل جاءت لتُكمل ما أنجزه السيّد الرئيس وحرص على تنفيذه طيلة الفترة الّتي سبقت العملية الانتخابية من تهيئة أجواء التنافس المتكافئ والمتساوي والعادل. لقدت رسمت كلمة رئيس الدولة البارحة وبشكل دقيق تفاصيل ما يجري هذه الأيام لدى كلّ الناشطين في الحقل السياسي وتعدّى ذلك إلى استشراف تطلعات الناس والنخب والأحزاب في التطوير والنموّ المتواصل للعطاء الديمقراطي التعدّدي في البلاد واستحثاث الهمم من أجل مزيد البذل لتونس وشعبها أوّلا وأخيرا. لحظة فارقة وفرز إنّها لحظة فارقة، فيها يتمّ لا فقط إفراغ صناديق الاقتراع وفرز ما فيها من أصوات ونتائج بل يتمّ فيها أيضا انكشاف النوايا وتعرية ما في النفوس من أحقاد دفينة على تجربة سياسية ترنو إلى الأفضل والأحسن ،لحظة تفضحُ عدميّة وعبثيّة قلّة قليلة اختارت نهج المراوغة والإفتراء والمزايدة السياسيّة والإعلاميّة. إنّ قداسة الوطن وحرمة البلاد وشعبها تقتضي وكما ذهب إلى ذلك كثيرون اليوم إلى التنويه والإشادة بما تحوزه الحياة السياسية في تونس من تطوّر ونماء متواصل ارتقى لأن يجسّد تجربة إصلاحيّة فريدة في العالم على درب الإصلاح التدريجي والمرحلي وتهيئة الظروف للانتقال السليم من مرحلة إلى أخرى، إنّها لحظة فرز الجديّ من العبثي وفصل المثابر والمبدئي عن الانتهازي والمقتنص في المياه الراكدة ...وبالتأكيد فالقادم لن يكون إلاّ أفضل في ظلّ الإرادة الرئاسيّة الواضحة والحازمة وتراكم المكاسب وتعميق ثقافة احترام الرأي الآخر وتزايد مساحة فلسفة المشاركة السياسيّة والذود عن روح الانتصار إلى المصلحة الوطنيّة دون سواها ، لا الارتماء في أحضان الأجانب وخدمة أجندات الآخرين.