سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مذكرات سياسي في «الشروق»: الأستاذ أحمد بن صالح وأسرار وخفايا تكشف لأول مرة (107): فرانس فانون ومستشفى الرازي: فرقة مسرحية وجمعية كرة قدم من المرضى أنفسهم..
حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي «.. نعم، كان تأثير فرانس فانون». كبيرا على المشهد الصحي في تونس، وخاصة منه في مجال العلاج النفسي.. فبالإضافة إلى مستشفى النهار L‘Hopital du jour، فقد تدخل Fanon «فانون» بوصفه مستشارا لدى وزير الصحة (المتحدث) في مستشفى «الرازي» للأمراض العقلية بمنوبة (ضاحية من ضواحي العاصمة)، فقد أحدثنا بالمستشفى جمعية رياضية لكرة القدم، ومنعنا السلاسل التي كانت تكبّل المرضى.. وكانت جمعية الكرة، قد شاركت في مباريات أجريت خارج المستشفى، كما كوّنا فرقة مسرحية أفرادها من المرضى كذلك، وكتبوا نصوصا بأنفسهم عن أمراضهم وحالاتهم.. وهنا لا بدّ من الإشارة، إلى أن الأمراض العقلية ومعالجتها، لم تعد سجنا أحمر بالتعذيب.. وأذكر أن المدير الذي كان فرنسيا غيّرناه بتونسي.. لقد أعطى «فرانس فانون» الكثير إلى العلاج العقلي والنفسي في تونس، سواء في الرازي أو في مستوى مستشفى النهار.. سألت «سي أحمد» وهو يتحدث بافتخار عن فرانس فانون، كيف جاء إلى تونس، فقال: «جاء هاربا من الاستعمار الفرنسي المحتل للجزائر.. فقد كان «فانون» وهو من المرتنيك، منضويا، كما قلت آنفا، تحت لواء جبهة التحرير الجزائرية.. وبعد تجربته في تونس، ذهب «فانون» سفيرا لجبهة التحرير لدى غانا، وهناك مرضى بسرطان الدم Lucemie ومات صغيرا.. كانت تلك أفكاره, في معالجة المرضى النفسانيين، بكل درجات المرض العقلي، وقد نجحنا في ذلك، خاصة في مستشفى الرازي، الذي كما قلت وشاهدت، كان المريض مكبّلا بالسلاسل وقد وجدت أحد المرضى ينظّف أرضية المستشفى (ركن من أركانه) وهناك من يضربه ليحثّه على ذلك..! وبمناسبة الحديث عن «فانون» أعرف أن العديدين لا يعرفونه طبيبا، ولا يعرفون ماذا قدّم للطبّ النفسي والعقل في الجزائر وفي تونس، فكلّ ما يعرفه عنه الناس، أن فانون، كاتب تقدمي، انخرط في صفوف الثورة الجزائرية.. وهنا أذكر أنني ولما كنت في باريس (سنوات المنفى) وكانت وقتها سنتي السادسة في باريس، وجدت إعلانا عن اجتماع أو ملتقى حول فرانس فانون، تنكرت حتى لا يعرفني أحد، وولجت القاعة المخصّصة لهذا الملتقى، وجدت مغاربيين يمجّدون فرانس فانون وثورته على الفقر ككاتب ومجاهد ومناضل، من خلال كتاباته، وخاصة كتابه «معذّبو الأرض» «Les damnés de la terre»، ولم يتكلّم أي أحد من المتدخلين عن فانون الطبيب، فنهضت من مكاني، وكنت متنكرا إلى درجة أن لا أحد تفطّن إلى من أنا، وأخذت الكلمة، وكشفت مناقب فرانس فانون في مجال الطب.. أي مهنته.. وتحدّثت عنه كعالم وطبيب وقلت إنه قام بأشياء معروفة ومثيرة للإعجاب، في كل من الجزائروتونس.. وأنهيت كلمتي على هذا المستوى وانسحبت من القاعة وخرجت، حتى لا يسألني أحد ولا أعطي معلومات أخرى، فينكشف أمري».. وهنا يستذكر «صاحب هذه المذكرات» قصّة أخرى فيقول: «مرّة أخرى، وفي الخارج أيضا، كانت هناك تظاهرة أيضا، فكان هناك أحد ممّن كتب عن «فانون» كتابا، وكان من غانا أين قضى فانون، واكتشف أن أحمد بن صالح كان من بين الحضور، فجاءني وبادرني بالقول، إنني تتبّعت مسيرة فرانس فانون، وأردت أن أهديك كتابي عنه (عن فانون) فسألني: هل تعرفه، أستاذ بن صالح؟ فقلت له: نعم أعرفه.. وبدأت أحكي له قصّة فانون معي كمستشار في وزارة الصحة، فبدا الغاني، وكأنه في حلم، بدأ يطلق صيحات الفرحة ويعانقني، ويصيح معلنا عن اكتشاف لم يكن ليصدّقه أحد..» وهنا شدّد صاحب المذكرات، الذي أعلمته كما أبناء جيلي، أننا نعرف فانون من كتبه، كشف النقاب عن أن «فرانس فانون» كتب كتبه بعد مرحلة تونس.. وقال «سي أحمد» واصفا فانون: كان وقورا وحالما ومتواضعا».. فإلى الحلقة القادمة بإذن اللّه