بلغ عدد المكتبات العمومية ببلادنا 378 مكتبة تضم حوالي ستة ملايين كتاب، وبلغ انتاج الكتب حوالي 1300 كتاب في السنة تقتني منها وزارة الثقافة ما يقارب التسعين بالمائة، كما بلغ عدد دور النشر ثمانمائة دار مطلع سنة 2000 إلا أن هذا الرقم تقلص خلال السنة المنقضية (2008) ليصل إلى 178 ناشرا فقط وبالتبعية، تقلص عدد المطابع ليصل إلى 330 مطبعة سنة 2005 (آخر إحصاء!) بعد أن بلغ خلال التسعينات أكثر من 600 مطبعة. هذه بعض الأرقام التي قدمها عدد من المختصين بوزارة الثقافة خلال الندوة الختامية للكتاب والمطالعة، التي نظمتها المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بولاية جندوبة، نهاية الأسبوع المنقضي، ولعلّ نظرة سريعة إلى تلك الأرقام من شأنها أن تجعلنا ندق نواقيس الخطر، لكن ما خفي كان أعظم. فقد أظهرت ندوة جندوبة، أن المواطن التونسي لا يقرأ سوى بضع صفحات في السنة في حين يقرأ المواطن الأمريكي (رغم أنه مواطن تكنولوجي) ما لا يقل عن ستة كتب في السنة، كما أن شبكة المكتبات العمومية يؤمها حوالي 30 ألف قارئ إلا أنهم في معظمهم من التلاميذ (90٪). احتراز البنوك تحدث عدد من المتدخلين عن أسباب عزوف المواطن التونسي عن القراءة والمطالعة وذكروا بعض العراقيل التي جعلت عدد الناشرين يتقلص وعدد المطابع المغلقة يزداد كل يوم، إلا أن سببا رئيسيا قدمته السيدة هادية مقدم (من إدارة الاداب) كان كافيا ليجعلنا نفهم أصل الداء، فقد ذكرت المتدخلة أن البنوك التونسية ورغم ما وفرته لها مجلة الاستثمارات من ضمانات ورغم ما قدمه الصندوق الفرنكوفوني من اقتراحات رفضت تمويل قطاع الكتاب ودور النشر في حين سارعت بتمويل المشاريع السينمائية والمسرحية.. ومهما تكن الأسباب متعددة، فإن ما اقترحه بعض الحاضرين كان كفيلا بتشخيص المرض تشخيصا تاما، إذ ذكر المتدخلون ان مهمة تطوير الكتاب ودعم القراءة والمطالعة في أي مجتمع لا يجب أن تبقى حكرا على وزارة الثقافة وإنما هي من مشمولات كل الوزارات والمؤسسات على اختلاف أنشطتها، ولعل غياب كل مكونات المجتمع المدني في تلك الندوة الهامة يعطي الدليل على أن حال الكتاب ستظل على ما هي عليه مادامت كل المكونات «مستقيلة» وما دامت وزارة الثقافة «تحارب» بمفردها.