إلى كلّ كتّاب القصة في تونس ها أنا أرتجفُ خوفا ورعبا من كلمة «قصّة قصيرة» منذ سنوات وأنا أتهيّب هذا الجنس الأدبي لأني أخافُ من القصص التي تذبحني بلا شفقة أو رحمة كلما خطر ببالي أن أكتُب قصّة ترتعدُ فرائصي وتصطكّ أسناني... ومن بين القصص التي بقيت عالقة في ذهني قصّة «عزرائيل» للكاتب الكردي «شيرزاد حسن» وقصة «لأنّنا فقراء جدّا» للمكسيكيّ «خوان رولفو».. حتّى أنني كلّما فكّرتُ في كتابة قصة أتصبب عرقا وأشعرُ أنّني سأصعدُ جبالا شاهقة وأسألُ نفسي باحتقار ماذا سأقدم أمامَ ما قدمه جهابذة القصّ في العالم «ادغار آلن بو»، «خوان رولفو»، «خورخي لويس بورخيس»، «جان ماري غوستاف لوكليزيو»، «دينو بوزاتي»، «زكريا تامر»، «محمّد زفزاف»، «رشاد أبو شاور» والليبي الرائع «فتحي نصيب» والتونسي «صالح الدمس»... تعلّمتُ أن أقفَ إجلالا لفنّ نادر عزيز اسمه «القصّة القصيرة»، هذا الفن الذي تحذقه قلة قليلة في العالم تحذقه قلّة من العرب... لقد فقدتُ الثقة في كثير من الشعراء العرب والتونسيين ولم يبقَ لي من أمل، إلا في قصّاصي تونس... أبحث عن قاص يبدأ حياتهُ وينهيها في البحث عن القصة القصيرة... لأن أغلبَ القصّاصين يخيبون ظني فيذهبون إلى الرواية... كأنهم يرديون القول إن الرواية أجمل أو أهم... لا.. إنّ القصة القصيرة معدن نفيس... وهو فن النبلاء بامتياز كلما قرأتُ قصصا قصيرة جيّدة وطريفة فكرة ونسجا شعرتُ أن أصحابها أمراء زمانهم، فالبحث عن قصة قصيرة مثل البحث عن «قصيدة نثر» شاردة بين الأزقة والمقاهي والحانات أو بين الجبال والصخور والرمال والشواطئ والغابات والأنهار. تشدني قصص «حكايا الأمير» وغيرها لصالح الدمس «جنون ابنة عمي هنية» لحسونة المصباحي (رغم أخطائه الرهيبة على مستوى التركيب في القصة والرواية)، تشدني قصص لسعد بن حسين في «معجزة أخرى للحبّ» و«وقعُ حذائها» تشدّني قصص حسن بن عثمان في «عبّاس يفقد الصواب» و«لا فوق الأرض / لا تحتها» تشدّني قصص وليد سليمان في «ساعة انشتاين الأخيرة»... في كلّ يوم تفاجئني مخطوطات جديدة في القصة القصيرة منها «لا تنس أنّك من يحرّك الكأس» للقاص والأستاذ «السيد التويّ» و«نبوءة المهراجا» المجموعة الثانية للقاص «عماد العبّاسي». إن سعادتي لا توصف وأنا أقرأ قصّة حديثة متطورة في تونس أفضل من قراءة مئات القصائد التافهة وعشرات المجموعات الشعرية التي هي أشبه بفضائح أو جرائم... أقول هذه الكلمات للتاريخ ضد من تسوّل له نفسه الاستنقاص من فنّ القصة... منذ أسبوع كامل وأنا أعيشُ الذهولَ والصدمة بعد مشاركة «الرجل الصفر» في ملتقى القاهرة الأخير أوائل نوفمبر في ندوة عن القصة القصيرة ومن بين أقوال هذا السفيه «القصة القصيرة في تونس تشهد انحطاطا» بينما هي تشهد ازهى العهود، القصة القصيرة في تونس أروع من جميع القصائد، القصة القصيرة في تونس تتقدم بثبات رغم ندرة القصاصين لأن القص اصعب لدي من الشعر. وعن أي شعر تافه أتحدث أمام قصة «لحم الغزال» للسيد التوي وقصة «بائع المرايا» لعماد العبّاسي و «حكايا الأمير» لصالح الدمس القصة القصيرة في تونس من أجمل ما يكتب عربيا ... حتى ان الشعر في انحدار والقصة في صعود. في تاريخ القصة في تونس ثمة مائة قاص جيد. وهذا رقم لا تجده في أية دولة عربية. هذا «الرجل الصفر» رجل مريض حقا نطلب له الشفاء قريبا .. المسكين صار عجوزا .. ألف «مسرحية في حياته وسرق قصة قصيرة كشف فعلته الأستاذ «بوزيان السعدي» في الصحف الوطنية اَنذاك المؤسف انه لم يكتب قصة قصيرة واحدة ووجهت له القاهرة دعوة للمشاركة ! فالمجد للقصة والقصاصين لان نضالهم اعظم من نضال الشعراء والروائيين ..اذا متّ يوما لا تكتبوا أي بيت شعري على شاهدة قبري .. بل اكتبوا قصة «قصيرة جدا من النوع الذهبي النادر .. من النوع الذي كانت تقصه عليّ جدتي لأنام» .. رحم الله جدّاتنا وأمّهاتنا لانهن اعظم كاتبات للقصص القصيرة في العالم. هامش : مازال عز الدين المدني يتوهم انه كاتب القصة القصيرة الأوحد في تونس