بقلم: محمد علي خليفة العالم يقف صامتا منزوع الحياء .. وأحرار العالم وحدهم يقفون على مشارف غزة يقودون «شريان الحياة» لنصرة شعب يتطلع الى حياة كريمة كغيره من شعوب الأرض.. هم أحرار من العرب والعجم لكن اكثرهم عروبة هو ذلك القادم من داخل البرلمان البريطاني «مصدر المصائب على العرب والمسلمين، حيث كان سايكس وبيكو يقسمان الوطن العربي بالمسطرة وقلم الرصاص، بعد أن كان شعبا عربيا واحدا من مراكش الى البحرين، ومن حيث الغرفة التي وقع فيها بلفور وعده المشؤوم باقامة وطن ليهود العالم على أرض فلسطين» .. هكذا قالها بالعربية نائب ما هو بعربي ولا ابن عربي لكن الشهامة العربية تجري في شرايينه انه النائب البريطاني «المحترم» والمناضل القومي كما يحلو للبعض تسميته جورج غالاوي. فالرجل بدأ رحلة النضال هذه منذ 35 سنة، حيث كان يقطن في شمال شرق اسكتلندا وكان حينها ناشطا في حزب العمال ولم يكن قد التقى عربيا او مسلما قط في حياته في ذلك العام (1975) جاءه شاب فلسطيني يسأل عن كيفية ايصال القضية الفلسطينية الى البرلمان البريطاني وجلس معه لمدة ساعتين يشرح له الجرائم التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني وكيف شرد من أرضه وعن أحوال اللاجئين المزرية فوقع في قلبه شيء من التعاطف مع هذا الشعب والشفقة به. وفي عام 1980 كان غالاوي شاهدا على اقامة علاقة التوأمة بين مدينة داندي، مسقط رأسه حيث ولد بها في 16 أوت 1954، ونابلس، وأيد بعد ذلك قرار المجلس البلدي برفع العلم الفلسطيني على مبنى البلدية وكانت تلك المرة الأولى التي ارتفع فيها العلم الفلسطيني على مبنى عام في الغرب. رحلة الرجل مع النضال امتدت الى لبنان، حيث زار بعد ذلك مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والتقى الكثير من المناضلين الفلسطينيين مثل الزعيم الراحل ياسر عرفات وأبو جهاد وأبو اياد وجورج حبش وغيرهم .. كان يزور مخيمات اللاجئين ويسألهم من أين جاؤوا فلا أحد منهم أجابه باسم مخيمه أو مكان لجوئه بل كانوا يذكرون أسماء بلداتهم الأصلية في فلسطينالمحتلة، على الرغم من أن الكثيرين منهم لم يروا بلداتهم، وكان بعض اللاجئين ممن التقاهم مازالوا يحملون مفاتيح بيوتهم الأصلية في فلسطين ومنذ ذلك الحين اصبح غالاوي من أوائل المناصرين للقضية الفلسطينية بل صار واحدا من الفلسطينيين. وكما كانت رحلة قافلة «شريان الحياة» التي تحمل الى غزة مئات الأطنان من المساعدات الانسانية صعبة ومثيرة خاض غالاوي رحلته النضالية بكثير من الجَلد والصبر في عالم سمته النفاق وفي وسط سياسي اعتمد الكذب والتزوير والتلفيق للسيطرة على الوطن العربي ونهب ثرواته. فقد كان غالاوي من أول المبادرين بكسر الحصار الاقتصادي المفروض على العراق حيث زار الرئيس الراحل صدام حسين عامي 1994 و 2002 وقام بحملة عرفت باسم «قافلة مريم» ثم وقف بقوة ضد قرار غزو العراق عام 2003 ووصف حكومة حزب العمال بأنها «آلة كذب طوني بلير» فكان عاقبة أمره أن أطرد من حزب العمال ليؤسس بعدها تكتلا يساريا أسماه «رسبكت» وهو ما زاد في احترام الكثيرين له، وقد فاز غالاوي بمقعده في مجلس العموم البريطاني ممثلا عن «رسبكت» عام 2005. غالاوي لم يهدأ له بال وقد جاب البلاد العربية لا للتنزه والسياحة والتسوق بل لشحذ العزائم واستنهاض الهمم... «على كل من يؤمن بالله ان يساعد أخاه، هذا واجب (قالها بالعربية) بغض النظر عن الاعتبارات السياسية للقضية، فمن يهتم بالقضية الفلسطينية في العالم قلائل وأنا واحد منهم» هكذا صرح في آخر زيارة له الى البحرين قبل أشهر وهكذا ظل غالاوي صامدا ثابتا على المبدإ لا تزعزعه الانتقادات ولا الضغوط من مجلس الأمن الى مجلس العموم طالما انه اختار طريق الحق ونصرة المظلوم.