في ظرف صعب وفي ظلّ وضعية تستدعي الكثير من الجرأة والشجاعة... لم يفكر المدرب خالد بن ساسي طويلا عندما طلبوا منه الإشراف على حظوظ النجم الرياضي الساحلي... قبل المهمة ولم يناقش أي شيء مع المسؤولين وعوض الكلام اتجه بن ساسي إلى الميدان.. ليعمل وليغيّر.. وليبني ويؤسس.. فكانت النتيجة أن توفق هذا المدرب في ظرف وجيز واستثنائي في أن يقدم للجميع نسخة مختلفة للنجم الساحلي الذي استطاع بقيادة خالد بن ساسي أن يحقق أرقاما قياسية من النجاح أعادت الفريق الىدائرة المراهنة على اللقب... بعد مسيرة قصيرة وناجحة خرج خالد بن ساسي من الباب الكبير بشهادة الجميع. هيئة الدكتور حامد كمون أقامت حفل تكريم لبن ساسي على إثره التقت «الشروق» بهذا المدرب فكان الحوار التالي: بما عساك تعلّق على حفل التكريم الذي أقامته الهيئة المديرة للنجم الساحلي على شرفك بعد انتهاء مهامك؟ أتوجه بجزيل الشكر والامتنان إلى هيئة النجم الساحلي بكل مكوناتها وعلى رأسها الدكتور حامد كمّون على هذه اللمسة المعبرة التي أحسست عمقها ونبلها وقيمتها النابعة من صميم المناخ العائلي الممتاز الذي يعبّر عن قيمة مدرسة النجم الساحلي كعائلة كبيرة جدّا لها تقاليد رائعة في هذا المجال.. لذلك لا أستطيع إلاّ أن أقول شكرا لمسؤولي النجم وعلى رأسهم الدكتور حامد كمّون. أمام كل ما قلته وما عبّرت عنه من مشاعر حب ومودة لفريقك ولمسؤوليه.. هل يحق أن نسألك عن تصريحاتك الأخيرة التي لم تستسغ فيها إعفاءك من مهامك؟ اسمح لي أن أوضح وأن أضع النقاط على الحروف.. مع كبير ا حتراماتي لمختلف وسائل الإعلام وتقديري لها اسمح لي أن أقول بأنني لم أدل بتصريح من الطراز الذي أشرت إليه في سؤالك.. لم أتبرم ولم أشتك ولم أعرب عن أي موقف سلبي... لأنني بكل بساطة أحترم جميع من تعاملت معهم وأحترم قرار هيئة النجم الساحلي... وسواء بقيت أو غادرت سأظل خالد بن ساسي الذي تربى على حب النجم وارتدى زيه منذ أصناف الشبان... ويغار على النجم... ويشجعه.. ويسانده ويفرح عندما يفوز النجم ويحزن عندما ينهزم.. مع تأكيدي على سمة أساسية في كل هذا وهي الاحترام المتبادل مع جميع الأطراف. لكنّك حققت نتائج إيجابية وكنت تستحق البقاء على رأس النجم الساحلي؟ ما قمت به ليس سوى واجب أديته ولا أنتظر على ذلك جزاء ولا شكورا.. فهل بين العائلة وابنها «مزيّة»... النجم الساحلي احتاجني في موسم 2001 فقبلت المهمة ورشحت الفريق إلى الدور النهائي لكأس الاتحاد الإفريقي بعد نصف نهائي لا يُنسى أمام قطن ڤاروا الكاميروني... مثلما احتاجني هذا الموسم فقمت بعملي في كنف ما يستدعيه مني واجبي تجاه فريقي بأن سعيت إلى إصلاح ما يتعين إصلاحه.. والحمد لله أن خالد بن ساسي وفق في أداء المهمة وكنت في مستوى ثقة المسؤولين والأحباء لأترك النجم أفضل ممّا وجدته بمساعدة طاقم فني وطبي متكامل ليحقق هذا النجاح.. واسمح لي أن أحيي زملائي وإخواني محمد المكشر وأخصائي الإعداد البدني فؤاد الفتايتي ومدرب الحراس فوزي لنقليز والطاقم الطبي ممثلا في الدكتور سامي بن يحيى وثنائي العلاج الطبيعي مروان قاسم ومحمد عبد اللطيف ومرافق الفريق منير بوقديدة.. كما لا أنسى أيضا حافظ الأثاث الحبيب بوزرة وكل من كان معنا طوال الفترة التي أمضيتها على رأس الفريق. لم تجبني عن سؤالي... هل كان من المنطقي في تقديرك أن يتم تغييرك في ظل النتائج الإيجابية التي حققتها؟ بعد أن انسحبنا من سباق الكأس وبعد التعادل في سوسة أمام النادي الإفريقي من المنطقي الخوف من المستقبل والتفكير بالتالي في تغيير المدرب وفي ذلك حماية من الدكتور حامد كمون للمدرب خالد بن ساسي ولتخفيف الضغط عليّ إلى حد مباراة الإفريقي كانت المعادلة هكذا وهي منطقية.. لكن في ما بعد تحسنت النتائج وعادت الروح للفريق شيئا فشيئا وللإشارة فإننا واجهنا مستقبل المرسى في الكأس ونحن منقوصين من ثمانية لاعبين من بينهم البوخاري والعكايشي وبالراضية وعصام الجبالي. لم نخسر على الميدان وجاءتنا فرص عديدة بعد مباراة طيبة انسحبنا فيها بضربات الحظ.. ناهيك أن الدكتور حامد كمون هنأني على المباراة وشكر اللاعبين على روح البذل والعطاء التي ميزتهم رغم أنه لم تمض أكثر من ثلاثة أيام على بدايتي في العمل فكان الانسحاب من الكأس في المرسى الانطلاقة الإيجابية لمرحلة جديدة في النجم الساحلي. كيف وجدت النجم الساحلي وماذا غيّرت فيه؟ وجدت مجموعة دون طابع، ولا يمكن أن نخلق هذا الطابع إلا بإقحام كل لاعب في مكانه الطبيعي وهو ما شهد به الفنيون في تونس... كما أنني اشتغلت كثيرا على المعنويات.. تحدثت معهم لاعبا لاعبا وحاولت أن أشحذ العزائم.. إضافة إلى اللقاء الذي يسبق كل حصة تدريبية والمخصص للمسائل النفسانية والمعنوية لأنني أحسست منذ المصافحة الأولى بأن اللاعبين يحتاجون كثيرا للعناية بهذا الجانب... وكانت ردة الفعل الإيجابية من الجميع فمجدي المسراطي عاد من بعيد ومحمد علي نفخة برز بإمكاناته الحقيقية وأحمد العكايشي عاد بقوة ليؤكد أفضليته كأحسن هدّاف في البطولة.. أيضا سهيل بالراضية الذي استقر مردوده مع ازدياد درجة تدفق العطاء لبقية اللاعبين أمثال شاكر الزواغي وعمار الجمل وأيمن المثلوثي وحمدي المبروك الذي أثبت نجاحه في المحور لينعكس ذلك على مردود الخط الخلفي الذي أصبح أكثر تماسكا وصلابة.. من جهته جيلسن سيلفا الذي أصبح يلعب خلف المهاجمين (تسعة ونصف) لأنه ليس قادرا على اللعب في موقع الجناح... فكانت جميعها تغييرات وإضافات لامست مختلف مكونات المجموعة لتظهر بأداء وروح مختلفين. وما حكاية المهاجم الغاني سادات بوخاري؟ البوخاري تمارض في أسبوع مباراة الكأس ضد مستقبل المرسى ورفض اللعب بدعوى أنه مريض ولك أن تسأل طبيب الفريق الدكتور سامي بن يحيى ليؤكد لك بأن البوخاري لم يكن مريضا وليس لديه أي مانع يحول دونه ومساعدة زملائه.. ولكنه لا يريد أن يلعب المباراة بسبب احترازه على أرضية الميدان.. حقيقة إنه أمر عسير الهضم أن يتعامل لاعب أجنبي يتقاضى أجرا ولديه امتيازات وإزاء تعامله مع التزاماته بمثل هذه العقلية... كان من الحتمي أن أطرحه من ذهني. لكنّك في ما بعد أقحمته كأساسي ضد الإفريقي؟ كنت مضطرا لإقحامه في تلك المباراة لأن العكايشي مصاب... كما أنني عولت عليه في مباراة القصرين كأساسي بحثا عن مصلحة الجمعية. كيف ذلك؟ البوخاري كان محل متابعة من بعض الوسطاء... حين غاب عن التشكيلة تسربت شكوك بأنه مصاب فكان لا بد من إثبات عكس ذلك لأنه غير مصاب فأقحمته لأقطع الشك باليقين على الذين يتابعونه.. وكل ذلك ضمن رؤية شاملة مضمونها مصلحة النجم الساحلي الذي سيستفيد حتما من صفقة بيع هذا المهاجم لذلك رجحت مصلحة الفريق ووضعتها في المقام الأول. هناك من يقول بأن خالد بن ساسي أقصى بعض اللاعبين ممن كانوا أساسيين قبل قدومك على غرار المدافع الشاب حسام سليمان؟ عندما راهنت على حمدي المبروك في المحور لم أقدم له هدية والدليل أنه أثبت جدارته وساهم في استقرار مردود محور الدفاع الذي لم يستقر على حال من حيث التركيبة واللاعب الذي يجب أن يكون إلى جانب عمار الجمل أما عن حسام سليمان فإن زيادة وزنه بما يتراوح بين 5 و6 كلغ حتّم إلحاقه بصنف الآمال، وهو في ذلك على غرار المهاجم ياكوبا ديارا وأمام ظاهرة زيادة الوزن التي كانت مؤثرة على أداء أكثر من لاعب.. طبيعي جدّا أن أعول أكثر على اللاعب الجاهز من دون أن يقلّل ذلك من إمكانات حسام سليمان ليكون لاعب الحاضر والمستقبل وبمزيد العمل باستطاعته أن يعود إلى التشكيلة الأساسية مثله مثل أي لاعب... لذلك فإن خالد بن ساسي لم يتعمد إقصاء أي كان لأنّ الجميع أمامي سواسية ولا فرق عندي بين هذا اللاعب أو ذاك إلا بدرجة الجدية والعطاء. هل صحيح أنّ مسؤولي النجم اقترحوا عليك أن تبقى مساعدا للمدرب الهولندي وأنت رفضت؟ آخر عهدي بخطة مساعد كان مع المدرب البرازيلي الكبير دوس سانطوس حيث عملنا معا وكسبنا ألقابا وكنت المدرب المساعد الوحيد في تونس الذي يشرف على الاجتماع الفني دون حضور المدرب سانطوس الذي قال لرئيس النجم انذاك السيد عثمان جنيح عندما ناقش معه إمكانية مواصلة المشوار سأواصل لو يبقى معي بن ساسي» ومنذ تلك التجربة لم أكن مساعدا لأي مدرب... وإذ أشكر الدكتور حامد كمّون الذي أراد أن لا أبقى دون شغل من خلال اقتراحه بتولي مهمة مساعد للمدرب الهولندي فإنني أؤكد بأن محمد المكشر يقوم بواجبه على أحسن وجه ويستحق أن يواصل. طيب... أنت ترفض خطة مساعد فماذا لو جاءك العرض لتشغل الخطة ذاتها في المنتخب الوطني؟ ما عدا هذا الاقتراح... لأن العمل في المنتخب شرف كبير لأي مدرب.. ثم إن خطة مساعد في المنتخب ومثلما هو معمول به في العالم تمهيد لمسؤولية مدرب أول الطموح الذي يسكن كل مدرب. كيف ترى المنتخب الوطني مع فوزي البنزرتي الذي تسلم المهمة قبل أيام من «الكان»؟ إذا كان البعض غير متفائل بسبب ضيق الوقت للتحضير لكأس إفريقيا للأمم ولغياب بعض اللاعبين فإنني أراهن على نجاح المنتخب مع المدرب فوزي البنزرتي لما يُعرف به الرجل من خصال تخوّل له أن يشحذ عزائم اللاعبين ويستحثهم على ذلك أفضل ما لديهم من مؤهلات للدفاع عن الراية الوطنية... واعتقادي أن غياب بعض العناصر وخاصة أولئك الذين رفضوا دعوة المنتخب سيشكل حافزا كبيرا لنذهب بعيدا في هذه البطولة.. وسترون مع اللاعبين المحليين ما يسر جميع التونسيين.. إنه التحدي الذي سيكسبه فوزي البنزرتي ولاعبيه... بمعنى أنك ترشح المنتخب الوطني ليلعب أدوارا متقدمة في «الكان»؟ سجّل على خالد بن ساسي... حظوظنا كبُرت عندما رفض بعض المحترفين القدوم... لأنّ ذلك «الرفض» سيخدم المنتخب بما أن الروح الوطنية العالية جدّا لبقية اللاعبين ستتضاعف ليثبتوا بأن المنتخب سيكون أفضل من دون الرافضين لتعزيز صفوفه في «الكان».. والفرق واضح بين من يلعب وهو خائف على ساقيه... وبين من لديه روح قتالية أساسها وطنية كبيرة وحب أكبر لرفع راية تونس عالية خفاقة في سماء أنغولا. ما هي النقائص التي تحتاج الى مراجعة في النجم الساحلي حسب رأيك؟ أقولها بكل صراحة عندما تسلمت الفريق كانت هناك نقائص... وبالعمل الجاد تمكنا من تجاوزها لنصل بالفريق الى مرحلة متميزة من التوازن في المردود والنتائج والأرقام تقول ذلك سواء من حيث العودة للمراهنة على لقب البطولة لأن النجم تركته في مرتبة تفتح أمامه افاق اللعب من أجل اللقب... إضافة إلى وجود 10 لاعبين في المنتخبين الأول والأولمبي.. مع ما شهده الرصيد من إضافات على غرار المراهنة على موهبة الشاب إيريك... وكنت على وشك منح الفرصة لاكتشاف جديد كان سيمثل المفاجأة السارة للجميع وهو المهاجم الشاب لسعد الجزيري الذي ينشط في صنف الآمال مع المدرب نوفل شبيل ولديه مؤهلات طيبة جدّا ولكن للأسف تعرّض إلى إصابة حتمت ركونه إلى راحة بأسبوعين قبل مباراة القصرين... وأدعو الجميع إلى حفظ اسم لسعد الجزيري لأنّه سيكون مفاجأة سارة متى مُنح الفرصة. في ختام هذا اللقاء ما هي الرسالة التي تود أن توجهها إلى أحباء النجم الساحلي؟ أدعوكم إلى مزيد الالتفاف حول الفريق لشد أزره والوقوف معه كما عهدنا جمهورنا الوفي الذي يبذل الغالي والنفيس من أجل النجم... وأشكر كل من ثمن عمل خالد بن ساسي الذي يبقى دائما أحد أبناء هذه المدرسة الرياضية العريقة التي اعتز بالانتماء إليها... وبعدما أديت واجبي على الميدان وساهمت في تحقيق وضعية أفضل للفريق سأعود إلى موقعي كمحبّ لمواصلة مساندة النجم وتشجيعه.