تحتفظ ذاكرتي في فترة دراستي بالفرع الزيتوني بتوزر بما أفدناه من شيخنا الجليل المرحوم العروسي العبادي أصيل مدينة نفطة الذي كان موسوعة أدبية شعرا ونثرا ولغة، من بديع الطرف والمُلَح الأدبية الشيّقة التي كانت تحفل بها مجالس درسه ومكتبة منزله حين كنا نزوره فيه فيطلعنا على كنّاشات وكرّاسات ملئت بأجمل ما انتقاه من نتاج قرائح المبدعين، وبما جادت به قريحته هو من بليغ النثر والشعر مما يمكن أن أبرزه في مناسبات قادمة. ومما أفادني به وحفظته عنه هذه الطرفة: عُرف عن أبي العلاء المعري معاقرته الخمر وولعه باللّهو والمجون وقد دعا يوما صديقا له ليكون نديمه وشريكه في جلسة خمرية، ولكن هذا الصديق رفض الدعوة وعلّل ذلك بأن من يشرب خمر الدنيا الحرام، يحرمه اللّه في الآخرة من شرب خمر الجنّة الحلال فاستهزأ المعري بهذا التعليل وقال لصديقه: «أتترك لذّة الصّهباء عمدا بما وعدوك من عسل وخمر؟ فموت ثم حشر ثم نشر حديث خُرافة يا أمّ عمر» وكأن المعري هنا يبدو زنديقا لا يؤمن بيوم الآخرة، وقد صادف أن سمع أحد المسلمين مقالة المعري فشطّر هذين البيتين وقلب معناهما وأنشد مخاطبا صديق أبي العلاء: «أتترك لذة الصّهباء عمدا صدقت لأنها بالعقل تُزري ولا تستبدلن كاسات راح بما وعدوك من عسل وخمر فموت ثم حشر ثم نشر حقائق سوف تعلمها وتدري وأمّا ما حكاه لنا المعرّي حديث خرافة يا أمّ عمر» الرّاح والصّهباء: من أسماء الخمرة وصفاتها