الأرقام التي نشرها مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أمس عن الفساد في أفغانستان تطرح أكثر من تساؤل وتثير جدلا كبيرا حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة التي تنخر جسد المجتمع الافغاني وباتت تمثل التحدي الاكبر والهم الأول للأفغان حتى قبل انعدام الأمن وانتشار البطالة. فالصورة واضحة بالنسبة الى الأفغان وهي أن حكومة فاسدة لا يمكن أن تحقق أمنا ولا أن تبني دولة قوية منيعة وأن الاصلاح ينبغي أن يبدأ من الأساس وأن النظر في الأسباب مقدّم بالضرورة على البحث في النتائج، فإذا كان الفساد يمثل أكبر عائق أمام تحسّن الأمن والتنمية والحكم في أفغانستان ويفتح الباب أمام أشكال أخرى من الجرائم مثل تهريب المخدرات والارهاب كما جاء في التقرير فإن من أولويات الافغان محاربة الفساد قبل محاربة «طالبان» وتجنيد الجنود للقضاء على ما تسمّيه حكومة قرضاي التمرد، الذي هو أصلا نتيجة من نتائج تفشي الفساد في البلد الممزّق بين الحروب والفقر والمحن الداخلية والخارجية. لكن المفارقة في هذا الأمر أن الأممالمتحدة الحاضرة في أفغانستان مدنيا وعسكريا والتي كان يفترض أن تضع برامج واضحة وموضوعية وشفافة لبناء الدولة الافغانية متورطة أيضا في المسألة، حيث يعتقد أكثر من نصف الافغان وفق ما جاء في التقرير الأممي أن المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية «فاسدة وموجودة في البلاد لتحقيق الثراء فقط». وإذا كانت محاربة الفساد فعلا مسؤولية الجميع وأولوية مطلقة للأفغان فإن الأممالمتحدة تكون قد فتحت على نفسها من خلال هذا التقرير بابا من الانتقادات والتساؤلات عن طبيعة دورها في أفغانستان وهو ما يزيد من وزر مسؤوليتها الاخلاقية هناك ويفرض عليها ضرورة محاسبة موظّفيها وإبعاد شبهة الفساد عنهم، وتلك هي أولى الأولويات.