تونس بيروت (الشروق): من مبعوثنا الخاص النّوري الصّل ... وأنت في طريقك نحو جنوب لبنان تخامرك تساؤلات عدّة بل قد تنتابك أحيانا الحيرة وربّما حتى الخوف... فأنت الآن تزور واحدة من أخطر المناطق ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم بأسره... هناك في خط النار حيث «رائحة» الحرب التي «تستقبلك» في كل مكان... رائحة حرب تشهد آثارها على وحشيتها وفظاعتها رغم أنه مضى عليها ثلاث سنوات ونصف... ورائحة حرب أخرى تلوح في الأفق يواصل كل طرف الاستعداد لها... كل على طريقته... من بعيد يبدو لك الجنوب اللبناني متجانسا خصوصا في أعلام «حزب الله» وصور أمينه العام حسن نصر الله المنتشرة في كل مكان... ثمّة صورة الجنوب المحارب الفاتح أبوابه على الموت... المزدري بكل أشكال الحياة... وثمّة هويّة جنوبية لا تخطئها العين... ثمّة المجلس الثقافي للجنوب ومجلس إعمار الجنوب... وثمّة الجنوب نفسه... هذه «الهوية الجنوبية» التي لا تلمسها في بيروت أو في طرابلس مثلا... ... تتوغّل في رحلتك هذه من بنت جبيل الى قرى عيناتا ف «عيترون» ف «ميس الجبل» ف «حولا مركبا» الى العديشة وبوابة فاطمة... ف «مارون الراس» فتقع أسير جمال هذه المنطقة الساحرة... ووقد يوهمك الهدوء الذي يخيّم على هذه «الضفّة» بأنّك على حدود هادئة وآمنة فحين تجول بعينك على القرى والبلدات الجنوبية كالعديشة والخيام ومرجعيون وبنت جبيل تلاحظ أن الحياة هناك تكاد تكون عادية... حركة الناس عادية... المحلات التجارية مفتوحة ودوريات عسكرية لقوات اليونيفيل والجيش اللبناني تجوب المدن والقرى والشوارع وأخرى تدقق في السيارات وكل شيء يجري كالمعتاد... وفي الطرف المقابل تلاحظ سيارات «الجيب» العسكرية الاسرائيلية وهي تجوب المناطق المحاذية... هذه الصورة العادية يستطيع أي زائر أن يرصدها ولكن خلف هذه الصورة هناك صورة أخرى تحتاج الى تدقيق ولا تظهر أمام أعين الناس... هناك على تخوم الجنوب تردّد مكبّرات الصوت أغاني المقاومة ومقتطفات من خطابات الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله التي يتوعّد فيها الاسرائيليين ب «حرب ستغيّر وجه المنطقة»... إنه الضجيج المبكر لحرب قد تكون مبكّرة... قد تنفجر في أية لحظة... في الربيع أو في الخريف القادمين... وحده «الطقس الشتوي» يؤجّلها لكن لأسابيع أو لأيام معدودة فقط... فرغم أن هناك من يستبعد اندلاع هذه الحرب في هذه الفترة فإن مؤشرات عديدة توحي بأن جنوب لبنان مقبل على حرب «تبحث» ربّما عن توقيتها الملائم... فالمسألة أصبحت مسألة وقت لا أكثر... وقت يبدو «غير قادر» عن حجب شبح الحرب الزاحف... على الجنوب... هذا الجنوب الذي يوحي كل شيء فيه بأنه على أبواب جولة من حرب لم تنته بعد... جولة ربّما تكون الاكثر ايلاما... من خلال التصريحات التي تختلط فيها السيناريوهات بالحرب النفسية، ومن خلال التقارير الاستخبارية عن استعدادات ميدانية متوازية تجري على جانبي الحدود ويشعر بها السكان من خلال الحركة غير الطبيعية للطرفين والتي توحي بأن شيئا ما قد يحصل قريبا... الجولة بالعين المجرّدة على الشريط الشائك لا تفضي بالضرورة الى استنتاجات واضحة حول مقدّمات الحرب خصوصا وأن الحزب ربّما يتجه نحو نقل المعركة الى تحت الارض في المرحلة القادمة، بحسب ما ذكره مصدر مقرّب من «حزب الله» ل «الشروق» فهذا الحزب يواصل استعداداته للحرب القادمة ولكن دون أن تلحظ شيئا أمام ناظريك ويجزم الأهالي بأن هذه الاستعدادات جارية ويقولون إنها تتم تحت الأرض وفي كل منطقة من الجبال والوديان بل إن مصادر مطّلعة أكّدت ل «الشروق» أن الحزب بدأ بتجهيز نفسه للحرب كما يجب وأنه يمتلك اليوم ثلاثة أضعاف مما كان يمتلكه من الصواريخ خلال حرب جويلية 2006... كما ذكرت المصادر أن الحزب أقام خط تحصينات على الضفة الشمالية لنهر الليطاني ونشر منظومة صاروخية في المنطقة الواقعة بين النبطية وسفوح جبل الباراك استعدادا لمواجهة قادمة. والناس بينهم من سئم الحرب... وبينهم من «تعايش» معها أما اسرائيل التي لم تهدأ مناوراتها على الحدود حائرة في التعاطي مع مثل هذا الوضع... فهي من جهة تريد إعادة الاعتبار الى جيشها المهزوم في الحرب الماضية وهي من جهة أخرى لا تستطيع أن تسلّم بوجود قوّة على «خاصرتها» الشمالية تتعاظم مع مطلع كل يوم لذا فإنها تستعد للحرب... وتتوعّد بها... مع علمها المسبق بأن ثمنها سيكون باهظا... وبين هذا وذاك تحاول قوّات اليونيفيل والجيش اللبناني احتواء الوضع وغالبا ما يتحوّلون الى ما يشبه الاطفائي ويعملون على المحافظة على «سكون» جنوبي يبدو «مسكونا» بكل الاحتمالات التي يدركها الجميع في الجنوب اللبناني... الناس هناك يعرفونها بالتجربة... ويمكنك أن تلحظ ذلك في أي جولة بين تلك المناطق من خلال الأحاديث والحركة... والهواجس... من حرب جديدة قد تحرق الأخضر واليابس...