اذا كان أحد يعيش هنا عندما دمرت تلك المنازل فبالتأكيد لم يعد حيا. فالشارع الذي كان يوما تصطف على جانبيه مبان من ثلاثة طوابق بات الان نهرا من كتل الخرسانة الضخمة وحطام المباني وهياكل السيارات المدمرة. رائحة الموت تنتشر في كل مكان. دبين وعيناتا والخيام وعيتا الشعب وبنت جبيل.. بعض من القرى الحدودية اللبنانية التي سويت بالارض وتحولت الى أرض خراب نتيجة للقصف الاسرائيلي في الحرب التي استمرت شهرا مع مقاتلي حزب الله. وبعد ان تعرض للقصف على مدى نحو خمسة اسابيع من قبل المدفعية والطيران الاسرائيلي أصبح السير على الطريق جنوبي نهر الليطاني رحلة وسط الدمار وقد امتلا بالحفر الكبيرة الناجمة عن انفجار القنابل ومحطات الوقود التي فجرت والمنازل المتهدمة والسيارات المدمرة. يقود الاهالي سياراتهم ببطء على الطريق الرئيسي في بلدة بنت جبيل التي تبعد أربعة كيلومترات عن اسرائيل والتي تحولت الى حطام يتخلله حديد ناتئ وشظايا الزجاج المحطم وأسلاك الكهرباء المقطعة. يحدق السكان في مبان مدمرة كانت يوما تمتلئ بالمتاجر والمطاعم. البعض يتوقف بسياراته عند كومة محددة من الكتل الاسمنتية والحديد. واخرون يترجلون غير أن الاكثرية تعود ادراجها مبتعدة. وتقول اسرائيل ان هجماتها الجوية والبرية كانت السبيل الوحيد لوقف هجمات حزب الله الصاروخية على شمال البلاد. بالقرب من منزل تحطمت نوافذه وأحدثت الشظايا ثقوبا بحوائطه تشير عجوز الى حديقة منزلها حيث توجد قذيفة لم تنفجر وسط الخيار والبندورة (الطماطم) الناضجة. وقالت "لا أعرف شيئا. لا يمكنني أن أغادر أنا وزوجي.. لذا بقينا في الداخل وأخذنا نصلي". ورفضت ذكر اسمها. وعندما انسحب الجنود الاسرائيليون من جنوب لبنان في عام 2000 بعد احتلال دام 22 عاما عاد الكثيرون من الاهالي الذين كانوا فروا من الازمة لبناء المنازل وسط حركة اعمار نشطة. وتمكن جيل كامل من اللبنانيين من زيارة قرى أسلافهم للمرة الاولى. وكان ذلك يعني أن هناك أبنية جديدة والكثير من المباني المدمرة لم يكن بناؤها قد اكتمل بعد ولا يمكن تمييزها عن المنازل المسكونة المدمرة سوى من خلال الطوب الجديد ومواد البناء الموضوعة بجوارها. وأسفرت الحرب التي استمرت 34 يوما عن مقتل أكثر من 1100 شخص في لبنان وغالبيتهم مدنيون و157 اسرائيليا على الاقل غالبيتهم جنود. ويقول حزب الله ان اسرائيل دمرت أيضا 15 ألف منزل على الاقل. ولا يشمل ذلك المتاجر وغيرها من المباني أو البنية التحتية المدمرة التي تبلغ تكلفتها 2.5 مليار دولار من جسور وطرق وغيرها. جلس حسين خيل الذي يمتلك أربعة من تلك المنازل يوم الخميس على بقايا محطة مدمرة للوقود واضعا يديه على رأسه. والى جواره وضع كل ما تبقى له من ممتلكات وهو حقيبة سفر زرقاء وعصا يتكئ عليها. وقال "كان لدي أربعة منازل ولكنها سويت بالارض...لم يبق سوى الرماد".