يقف اليمن اليوم في مفترق طرق خطير، فمن الحرب على الحوثيين الى فتح جبهة «القاعدة» الى الحراك الجنوبي الداعي الى الانفصال تجد الحكومة اليمنية نفسها في موقف صعب مما يفتح الباب أكثر من أي وقت مضى على فرضيات التدويل وفرض الوصاية على البلد بذريعة محاربة الارهاب، ولعل الاجتماع الذي احتضنته العاصمة البريطانية لندن أمس حول أمن اليمن يمثّل بداية للتدخل الأجنبي رغم رفض عدة جهات توصيفه بهذه الصفة واعتباره بداية للحل. فالاجتماع الذي حضره ممثلون عن دول مجلس التعاون الخليجي ودول مجموعة الثماني فضلا عن مصر والأردن وتركيا وهولندا لم يتضمّن أي التزام من الدول المشاركة بتقديم أية مساعدات اقتصادية أو سياسية أو عسكرية لليمن رغم قناعة الجميع وخاصة الغرب بأن تنظيم «القاعدة» بات يتخذ من اليمن أهم قاعدة له للتخطيط لهجماته. وقد بدا الغرب مرتابا من قدرة الحكومة اليمنية على محاربة ما يسميه الارهاب، بل إنه وضع شروطا مسبقة لتقديم أية مساعدة، وهي تحقيق المصالحة وفتح حوار شامل مع كافة مكوّنات الساحة السياسية اليمنية، ومن هنا يُفهم الحرص الامريكي على إنهاء الحرب مع الحوثيين، ويُفهم هذا الهدوء المفاجئ على جبهة صعدة، من أجل التفرّغ للحرب الجديدة على «القاعدة». ولعل الغرب يذهب الى أبعد من ذلك وقد «يطمع» في تسوية الوضع في جنوب اليمن وقد يطالب صنعاء بتحقيق مطالب ما يُسمّى «الحراك الجنوبي» بالانفصال . وفي المقابل كررت الحكومة اليمنية في خطابها الرسمي على امتداد الايام والاسابيع الماضية أنها لن تقبل التدخل الاجنبي وأنها تريد فقط مساعدة لوجستية لمكافحة الارهاب على أن تتولى قوات الأمن اليمنية تنفيذ هذه المهمة. ويبدو أن الغرب لا يثق كثيرا بقدرة الحكومة اليمنية على إدارة هذا الموضوع بمفردها حتى وإن تلقّت المساعدات المطلوبة بالنظر الى حساسية الموقف وصعوبة حصر الخطر الذي تمثله «القاعدة» في بلد صعب التضاريس وصعب التركيبة الجغراسياسية. وفي هذا السياق تبرز نقطة مهمة جدا ومؤثرة في المشهد اليمني وهي القبائل التي تتمتع بسلطات واسعة تفوق في بعض الاحيان سلطة الدولة، الأمر الذي يعقّد مهمة صنعاء إن لم تحافظ على علاقات أساسها التعاون مع شيوخ القبائل. وقد استبق شيخ مشايخ اليمن صادق عبد الله الأحمر، وهو عضو في البرلمان اليمني، اجتماع لندن بالتحذير من مخطط شبيه باتفاق «سايكس بيكو» يستهدف وحدة البلد، في إشارة الى التفاهم بين فرنسا وبريطانيا عام 1916 على اقتسام منطقة الهلال الخصيب (العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين). والأهم من هذا التحذير، هو ذلك التهديد الذي لوّح به الأحمر حين أكد أن أي دعوات يتخذها المؤتمر من أجل التدخل في شؤون اليمن الداخلية سيواجه بمقاومة القبائل. ومثل هذا التهديد يدلّ على أن القبائل قبل غيرها على ثقة تامة بقدرتها على التصدّي لكل أشكال التدخل الاجنبي في اليمن، تماما كثقتها بأنها هي «المرجع الاساسي للبلاد» كما جاء على لسان النائب الأحمر. وبصرف النظر عن مدى التزام المجموعة الدولية بمساعدة اليمن فإن حرص القبائل على وحدة البلد يبقى المقياس الاساسي لمدى نجاح جهود صنعاء في القضاء على كل أشكال التمرّد والارهاب في البلاد وعلى أسباب هذه الظواهر، بل حتى لقدرة الدولة اليمنية على كبح جماح الاطماع الاجنبية والحد من التدخل الاجنبي أو استثماره بالشكل الذي لا يسيء الى وحدة البلد وسيادته.