تونس (الشروق) محسن عبد الرحمان: في كل مرة ينتظم فيها أسبوع الفيلم الايراني بتونس، أو تعرض فيها أفلام إيرانية كما هو الشأن في أيام قرطاج السينمائية، يكبر الحديث حول سحر هذه السينما وبداعتها أو «أوريجيناليتها» دون التطرق الى الاسباب أو الظروف التي قادتها الى هذا التميّز وربما التفرّد على مستوى التجارب السينمائية في العالم. صحيح أن السينما الايرانية، وتحديدا السينما الايرانية الجديدة أو سينما ما بعد الثورة الاسلامية، تعدّ اليوم من التجارب الفنية المتميزة والمشهورة في العالم، سواء لأسلوبها الفني الحكائي المميز وبساطتها الجميلة وإحساسها بالانسان، أو لمرجعيتها الثقافية، إلا أن هذا التميز لا يعكس في الحقيقة الوضع الذي تعيشه أو تتحرك فيه عجلة هذه السينما، ولا الدمارات والمآسي التي تأسست عليها. الشاه والخميني وفيلم «البقرة» لم تخرج السينما الايرانية الى العالم إلا في النصف الثاني من التسعينات من القرن الماضي، وقبل هذه الفترة مرت السينما الايرانية بمرحلتين، الاولى قبل الثورة الاسلامية، والثانية بعدها. وشهدت المرحلة الاولى ظهور تيارات عديدة تحررية حتى أن المرأة باتت تظهر في الافلام، بعد أن كانت محرومة حتى من ارتياد قاعات السينما. كما تميزت المرحلة وخصوصا في العشرية الاخيرة قبل الثورة، بظهور موجة جديدة استفادت من الاطلاع على الافلام الجادة والمهرجانات العالمية. وكان من أبرز أفلامها «ليل الأحدب» للمخرج فروخ غفاري و«البقرة» لداريوش مهرجوي، وهو من أجمل الاعمال التي أبدعتها السينما الايرانية في تاريخها. ويذكر أنه منع من العرض أيام الشاه، وأعجب به الإمام الخميني عند عودته الى إيران. ويذكر أيضا أن هذا الفيلم كان حافزا على تحرير السينما بعد الحضر الذي تعرضت إليه مباشرة بعد الثورة. إحراق 180 قاعة سينما وبقدوم الثورة الاسلامية عام 1979 توقفت عجلة السينما في إيران، فقد كانت النظرة العامة إليها هي أنها رمز من رموز نظام الشاه والتأثير الغربي الى درجة أنه تم إحراق أكثر من 180 قاعة سينما. ويذكر أن 400 شخص لقوا حتفهم حرقا، في حادث إحراق احدى الدور. وقد أدت هذه الظروف، إضافة الى الرقابة الصارمة التي تفرضها الدولة على الافلام التي لم تكن ذات حدود واضحة، الى اختفاء النساء من المشهد السينمائي تماما. ورغم إنتاج بعض الافلام خلال هذه الفترة أي في بداية الثمانينات، فقد تم حضر عرضها في دور السينما الايرانية. القبلة ممنوعة ولم تزدهر السينما الايرانية أو سينما ما بعد الثورة إلا في التسعينات مع ظهور اتجاه سياسي في منتصف الحقبة يميل الى تشجيع خروج السينما الايرانية الى المهرجانات الدولية، وهكذا بدأ انتشارها في العالم وتوالت نجاحاتها وإشعاعها، لما تتميز به من أسلوب فني حكائي غير مألوف. وكان التشجيع على خروجها الى المهرجانات الدولية، والتعريف بها بين الشعوب، كغاية فرض نظرة عن المجتمع الايراني مغايرة لما تفرضه الاعتبارات السياسية. ورغم نجاح السينما الايرانية اليوم وإشعاعها في كل التظاهرات الدولية فهي لاتزال مقيدة وتخضع لرقابة صارمة، فهي الى جانب المحظورات المعروفة وهي الدين والدولة والجنس، يحظر ظهور أي جزء من جسد المرأة مثلا. كما يحضر القبلة وغيرها من الاشارات أو الايحاءات التي تحمل أي شكل من أشكال التحرّر. وقد خلقت هذه الرقابة بصرامتها وشدّتها، نوعا من السينما ذات ملامح خاصة ومتميزةو أوصلت السينما الايرانية الى ما هي عليه اليوم. وتنتج إيران اليوم حوالي 100 فيلم في العام، ولا تعرض قاعاتها في العادة إلا الافلام الايرانية. ويعد المخرجون الايرانيون اليوم من أكثر المخرجين السينمائيين تتويجا في المحافل والمهرجانات السينمائية الدولية... ولعل من أشهرهم، محسن مخملباف (كان يا مكان، سينما، الممثل، سينما السلام، السجادة الجميلة) وابنته المخرجة سميرة مخملباف، والمخرج عباس كياروستامي...