شدت المبادرة التي قامت بها جمعية التوثيق السمعي البصري لتراث البلاد التونسية التي تبنت تنظيم الدّورة الأولى لتظاهرة أيام السينما الإيرانية في تونس بالتعاون مع وزارة الثقافة الإيرانية والتي تختتم مساء اليوم بالعاصمة، الانتباه خاصة في ظل ما شهدته من أنشطة ولقاءات جرت بالتوازي مع عرض عدد هام من الأشرطة السينمائية الإيرانية لتكون التظاهرة بادرة أولى في انتظار إبرام اتفاقيات تعاون في المجال بين البلدين. وقد انتظم بالمناسبة أول أمس لقاء إعلامي بحضور عدد من المخرجين السينمائيين التونسيين خصص للتعريف بالسينما الإيرانية وهيكلتها وبحث امكانيات استفادة السينما التونسية من تجربة هذا البلد فيما يتعلق بصناعة السينما. وحضر هذا اللقاء مخرجون ومنتجون إيرانيون ذائعو الصيت على مستوى عالمي وكانوا وراء إنجاز وإنتاج أعمال بارزة على غرار شهريار بحراني مخرج مسلسلي «مريم العذراء» و»أصحاب الكهف» وفيلم «مملكة سليمان» إضافة إلى جواد شمقدري الذي يشغل حاليا منصب المستشار الفني للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ومنتظمي مستشار العلاقات الخارجية للسينما الإيرانية ومحمديان صاحب شركة إنتاج كبرى كانت وراء إنتاج أغلب الأفلام والمسلسلات في بلاده.
خطوط حمراء
شدد السينمائيون الإيرانيون على أهمية قطاعي الفن السابع والسمعي البصري في مسار بناء الجمهورية الجديدة في تونس لا سيما بعد الإنجاز الذي حققه أحرارها إثر الإطاحة بنظام الحكم السابق ودليلهم على ذلك الدور الذي لعبه هذا الميدان إثر الثورة الإيرانية والإطاحة بنظام شاه إيران منذ ما يقارب 32 سنة مما جعل السينما عنصرا ثقافيا أساسيا من ناحية، ومصدر تكريس ونشر للرؤى الثقافية والفكرية والإيديولوجية والسياسية، وداعما للتنمية في بلاد فارس لتقدم للعالم لغة ولونا وشكلا جديدا للسينما. لكن أجمع هؤلاء على ضرورة توفر جملة من العوامل، وشرط اعتبارها خطوطا حمراء لا يجب الاستهانة به أبرزها الهوية والخصوصيات الاجتماعية والثقافية. وعزا جواد شمقدري نجاح التجربة الإيرانية في التوصل إلى صناعة سينما محلية بحتة بإمكانيات متواضعة خلال ثلاثة عقود إلى السياسة الثقافية الناجعة التي تجند لتفعيلها أهل الميدان. وتسنى جني ثمارها في وقت وجيز نظرا لما عرفته سينما بلاده من انتعاشة حقيقية تجسمت في الأفلام الطويلة والوثائقية أو القصيرة المنجزة من حيث الكم والكيف وتتمحور في أغلبها حول مواضيع مستمدة من المجتمع الإيراني وتتعلق بالقيم الإنسانية والإسلامية، والتاريخ الإسلامي مما مكنها من حيازة مكانة هامة في السينما العالمية إلى حد انتزاع الاعتراف الدولي بهذه السينما، وحصد الجوائز في مهرجانات عالمية، خاصة أن نسبة دعم الدولة لهذه النوعية من الصناعة تقدر بما قيمته 70 %. فيما أكد محمديان باعتباره صاحب شركة انتاج خاصة على الحرص على المساهمة في صناعة السينما التونسية على نحو يراعي فيه خصوصية هذه البلاد والمجتمع التونسي. من جهته أعرب السينمائي التونسي ناصر السردي عن تفاؤله بالانفتاح على التجربة الايرانية في صناعة السينما والتي يعتبرها نموذجا يحتذى به، بعد أن وقف على قيمة وأهمية هذه التجربة من خلال اطلاعه عن كثب على واقع هذا القطاع إثر زيارته لإيران.
تعاون مشروط ؟
وأكد فتحي بن عثمان رئيس جمعية التوثيق السمعي البصري لتراث البلاد التونسية أنه حريص على خلق فرص شراكة وتعاون في قطاع السينما بصفته مخرجا سينمائيا بين القطاع الخاص في بلادنا والسينما الإيرانية وغيرها من المدارس والألوان السينمائية العالمية لا سيما في هذه المرحلة من تاريخ بلادنا لأن الغرض الذي يهدف إليه هو تحقيق التطور المطلوب لهذا القطاع الذي عاني من القمع والرقابة و»الصنصرة» وبيّن أن النية تتجه في القريب العاجل إلى الانطلاق في تفعيل بعض المبادرات من بينها تنظيم ورشات للتكوين والتدريب في مختلف الاختصاصات ذات العلاقة بالسينما ككتابة السيناريو والتصوير وغيرها. فيما عبر المخرج نجيب عزوز عن تخوفه من اسقاط النموذج الإيراني الذي يختلف عن السينما التونسية إلى حد الغرابة لأنه يرى أن السينما عمل فني حرّ وأنه من الخطإ التدخل في صياغة السيناريو أو لعب دور الرقيب الذي لطالما عانت منه السينما في بلادنا تحت دواع أخلاقية أو إيديولويجية. في حين أكد جواد شمقدري أن التعاون بين البلدين في هذا الميدان وإن هو محفوف بشروط اعتبرها خطوطا حمراء يمكن إيجاد حلول لها. وبين شهريار بحراني أن التعاون مع السينما التونسية لا يخضع لأهداف سياسية أو استراتيجية مثلما روج لذلك البعض وإنما يأتي في إطار التعاون المشترك بين البلدين في هذا القطاع نظرا لأهمية الصناعة السينمائية في بلادنا وما تدعوه الضرورة للانفتاح على تجارب خارج إيران من ناحية ولتوفر تونس على كفاءات ومناخ مرتقب من الحرية في الرأي والتعبير.