حوار وإعداد فاطمة بن عبد الله الكرّاي قلت ل «سي احمد» بن صالح بعد ان كشف خيوطا من الازمة التي أدت الى انسحابه من الوزارة المجمّعة لاختصاصات التجارة والتخطيط والاقتصاد والمالية: هل تعرّض أحمد بن صالح الى مؤامرة؟ يركن الى صمت قصير في المدة عميق من حيث علامات وجه محدّثنا ثم يقول: «قلت لك خلال الحديث عن التعاضد قانونا وتطبيقا، إن أطرافا من الحكومة ومن القصر (الداخل) والطامعين في الاراضي المسترجعة من المعمّرين، عملوا عبر محطات لكي يكفّروا الناس في هذا الخيار... الشيء ا لذي تعرض فيه الناس الى الكذب الواضح والى غسل الدماغ، هو أن ليس هناك فلاّح متعاضد أي دخل مجال التعاضد وليس له ملكية أرضه... وقلت إن التجربة احتاجت الى خمس سنوات، وعندما تنجح كنّا في البرنامج سنقسم أراضي الدولة المسترجعة وهي شاسعة ومغرية وأسالت لعاب المتكالبين عليها، كنّا سنقسّمها على المتعاضدين... ثم ليسأل الباحثون والمتتبّعون سؤالا مركزيا وملفتا : إذا كان هناك «اشتراكية» Collectivisme (على الطريقة الشيوعية) فكيف يموّل البنك الدولي التعاضديات الفلاحية؟» وقبل أن ألحّ في موضوع المؤامرة التي له فيها قصص مدعّمة لذاك الاتجاه، قلت له: هل يُعقل أن يقع الالتفاف على تجربة كانت محل موافقة وتأييد من الحكومة والديوان السياسي، ألم تكن لكم اجتماعات للحكومة؟ هنا ردّ صاحب المذكرات: «أولا لم يكن مجلس الوزراء مضبوطا في دورية لقاءاته... فلم يكن هذا المجلس الوزاري على غرار بلدان عديدة يمتلك دورية في اللقاءات... لكن هناك الديوان السياسي في الحزب يجتمع كل يوم أربعاء...» قلت في سؤال استفساري : هل كان يرأسه بورقيبة دائما؟ قال : لا أبدا...كان الباهي الأدغم، كاتب الدولة للرئاسة هو من يترأس الديوان السياسي». قلت ل«سي احمد» : لكنك وفي فترة الستينات بالذات كنت أكثر وزير يقابل او يلتقي بورقيبة، في ما يشبه جلسات العمل، أليس كذلك؟ فقال: لا أعرف إن كنتُ أكثر وزير يرى بورقيبة ثلاث او أربع مرات في الشهر... ويكون محور الجلسة، إما موضوعا من المواضيع العابرة او هي حصة عمل تدوم ساعتين او ساعتين ونصف... كان موضوع الجلسة فيها يتناول مرحلة سابقة من النشاط ومراحله القادمة او يكون للرئيس خطاب قريب في الموعد، ويكون خطابا هاما، في البرلمان أو في مكان آخر، بحيث تكون الجلسة حول شؤون الاقتصاد في تونس، من المفترض انه سيتناولها... ثم انه في تلك الفترة، اذا جرعتم الى خطابات بورقيبة الرئيس، فإنها كانت تتمحور دائما وبصفة مدققة مواضيع حول على التنمية الشاملة في البلاد ..» قلت : وكيف كانت علاقتك ببورقيبة، خلال تلك الجلسات؟ قال : شخصيا، ومدة وجودي في الحكومة لم تكن لي اية لحظة فيها تشنج من بورقيبة او خلاف معه .. سواء كان ذلك في ظروف خاصة أو عادية، فقد كانت جلسات العمل مع بورقيبة وعلى انفراد، يسودها جو من الحوار والاعلام (أي اعلام الرئيس بمراحل التطور والتنمية). وهنا استدرك صاحب المذكرات ليقول «مرة من المرات تناولت فطور الصباح مع بورقيبة، وجاء الأمر كالتالي : طلبني الرئيس بورقيبة في احد الأيام، في البيت الساعة السابعة صباحا، فلم يجدني، حيث أعلمته زوجتي أنني في المكتب.. فما كان من الرئيس الا أن طلبني في مكتبي وقال لي عبر الهاتف : أين أنت الآن؟ فقلت له في مكتبي. فقال: وهل تناولت فطور الصباح؟ قلت نعم، قبل ان أغادر منزلي، فقال لي: تعالى افطر معي.. وذهبت الى قصر قرطاج وكان لقاء، أو اجتماع، غير رسمي».. ذكرت مرة من المرات في معرض حديثك عن لقاءاتك ببورقيبة، انه كان يأمر لك بقهوة ونفاضة «Cendrier». لأنه مسموح لك ان تدخن «السيجار» في حضرته... هل تورد لنا هذه الحكاية ؟ ابتسم صاحب المذكرات بنوع من الاتجاه نحو رفض الافصاح عنها، لكنه قال: «هذا فلكلور» .. والحقيقة أن «سي أحمد» بن صالح وعندما تتعلق القصة، بشكر لشخصه او حفاوة به من بعض الشخصيات الوطنية او العربية او العالمية فهو ينأى بنفسه عن الحديث والخوض فيها، لكن سؤالي، وقد وضحت له ذلك، أردت ان أضعه وأنشر الإجابة حتى يتسنى فيما بعد، الوقوف على تفاصيل الأزمة وأبعادها ومن يقف وراءها، وأمام هذا التبرير قال «سي أحمد» : «كنت في كل مرة أصل الى مكتب بورقيبة، في الجلسة التي ذكرتها، وكانت تدوم قرابة ثلاث ساعات في بعض الأحيان، كان بورقيبة يشير الى من هو مكلف بذلك، بأن لا ينسى النفاضة مع القهوة، ل«سي أحمد»...» ألم يكن زملاؤك في الحكومة والحزب، ينظرون إليك على أساس ان لك حظوة أكثر منهم عند الرئيس فأنت الوزير الذي يقود أكثر من وزارة في نفس الوقت! عن هذا السؤال وغيره، يتحدث الأستاذ أحمد بن صالح في القادم من الحلقات، إن شاء الله...