احتفلت تونس في غرة مارس الجاري مع سائر البلدان العربية ولأول مرة، بيوم اللغة العربية الذي أقرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو). وقد جاء هذا القرار في وقت حاسم أصبحت هذه اللغة بأمس الحاجة الى مثل هذا الاجراء من أجل الحفاظ على كيانها ووجودها نظرا للمخاطر المحدقة بها: فأي خطر اذن يواجه اللغة العربية؟ الحقيقة أن اللغة الأم في عصرنا الراهن لا تواجه خطرا واحدا فحسب بل تداهمها عدة أخطار تهدد الهويات والخصوصيات العربية في عصر العولمة الثقافية التي اقتحمت الحدود الدولية دون جواز سفر. فاللغة العربية تلاقي منافسة شرسة من العامية وخاصة على مستوى وسائل الاعلام فأغلب التلفزات والاذاعات تستعمل العامية في تقديم برامجها بل انها أحيانا تدعمها على حساب اللغة العربية الفصيحة بغية الاقتراب أكثر من الجمهور. لكل قطر عاميته ولئن كانت العامية لغة التخاطب اليومي بالنسبة الى الناس فإنها تبقى حكرا على جهة من الجهات أو دولة من الدول لأن لكل قطر عاميته التي تختلف عن غيره من الأقطار وهذا لا يمكن أن يؤسس لخطاب اعلامي ناجح ومفهوم عربيا لأن المتلقي العربي الواسع لا يفهم كل اللغات العامية على عكس اللغة العربية الفصحى التي تتجاوز حدود الوطن الواحد الى كل البلدان الناطقة باللغة العربية فتؤسس بذلك الى تقارب المجتمعات وتبادل الثقافات. وليس المقصود هنا بالعربية القصة التي لا يستسيغها المتقبل بمختلف فئاته بل المقصود هو اللغة العربية البسيطة والسهلة الفهم كأداة للإتصال بالجماهير تشدهم الى المادة الاعلامية المقدمة بدل أن تنفرهم. اذن فالعامية التي طغت على خطاب وسائل الاعلام تشكل خطرا على اللغة العربية يجب التصدي له ومواجهته لأن العامية لا يمكن أن تكون لغة العلم والأدب فهي لا تقوم على قواعد وأصول مكتوبة وليس لها نحو خاص فالأمر فيها متروك لأذواق الناس وأهوائهم. شبح آخر يلاحق لغة القرآن الكريم هو ضعف المطالعة وخاصة لدى الشباب بسبب انتشار شبكة الانترنيت بصفة مهولة لأن فرصة مطالعة الكتب حتى بصفة اضطرارية للقيام ببحث يخص الدراسة أو للتأكد من معلومة أصبحت قليلة باعتبار أنه يمكن الحصول على المبتغى في وقت وجيز بواسطة الشبكة العنكبوتية. مصطلحات هجينة تواجه اللغة العربية مصدر خطر اللغات الأجنبية ولئن كانت ولا تزال وسيلة تساعد على معرفة العلوم والثقافات المختلفة سواء عن طريق المطالعة أو الترجمة فإنها في الوقت نفسه تمثل مصدر خطر على اللغة العربية التي دخلت اليها مصطلحات هجينة وأصبحت متداولة كثيرا ويتجلى ذلك خاصة في المدارس والمعاهد والجامعات: فعندما يطلب الأستاذ من التلميذ أو الطالب التكلم بالعربية الفصحى تكون اجابة هذا الأخير مزيجا يجمع العربية واللغات الأجنبية رغم أنه بالامكان تفادي هذه المصطلحات الدخيلة على لغتنا، فإذا كان المتعلمون لا يتكلمون باللغة العربية الفصحى أثناء الدراسة فهل سيتكلمونها في الشارع أين يستحيل ذلك؟ وعلى الرغم من ترتيب اللغة العربية السادسة عالميا من حيث عدد المتكلمين بها وفقا لما جاء في البيان الذي أصدرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم فإنها تواجه جملة من التحديات التي تنتظر برامج موجهة ومخططة لحماية العربية من التراجع. هذا ويعد قرار الألكسو إحداث يوم اللغة العربية في غرة مارس من كل سنة وعيا بالمخاطر التي تحيط بلغتنا الأم وبادرة لإيجاد ملاذ لها حتى تحافظ على وجودها لأن التفريط في اللغة العربية الفصحى تفريط في الهوية وكسر لهيكل تماسك المجتمع والأمة العربية عموما التي هي في غنى عن هذا وهو ليس في صالحها إطلاقا. ألفة الغربي: طالبة بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار