1 فجأة توقفت أمام الإذاعة الثقافية عشية الاربعاء... التقطت كلمات تتصل بالنعي فوقفت منتظرا! من يكون؟ من اختاره الموت هذه المرّة؟ إنه الشاعر محجوب العياري... انتظرت بعد ذلك تأكيد الخبر في النشرة الرئيسية للأنباء لكن ذلك لم يحصل وربما كان سهوا مني 2 مؤسف جدا هذا الموت المبكّر.. ومؤلم... ومربك... من كان يدري أن محجوب سيسقط فجأة قبل الخمسين؟؟ ويلقى مصير أبي القاسم الشابي ومحمد البقلوطي ومحمد رضا الجلالي وغيرهم؟؟ 3 ها قد جاء الموت الذي انتظره الشاعر وتوقّعه في آخر نصوص أعماله المنشورة (حسبما بلغني من أعماله) تفطن في آخر أعماله إلى أن موته قريب فضمّن كتابه «الطفل» نصين بعنوان «عن الموت وعن حماقات أخرى» أعلن أن موته قريب وأنه يكره الموت ولا يخافه واعتبر «أنه الحمق عينه أن يموت المرء ويترك هذه الدنيا بربيعها، ببحرها، بغيمها، بحافلاتها التي لا تكاد تصل في مواعيدها أبدا. بقهوة الصباح. بجولة المساء على الشاطئ..» 4 أصرّ على أن الموت لا يخيفه إطلاقا لأنه وحسب كلامه ليس له ما يخاف عنه بعده مثل الأغنياء: «فأنا لا أملك دارا على البحر ولا أملك حديقة حتى أخاف عليها وحسابي الجاري خاو تماما...» ويضيف: « لا يعنيني ان أدفن في ماطر او في نابل او في أعماق البحر أو في أي مكان... ولا يعنيني كذلك أن يكون لي قبر معلوم يحمل رخامة مكتوب عليها إسمي..». 5 المهم في النصّين ما أورده محجوب العياري عن تصوّره لما سيحدث بعد موته وهو يسخر من ردود الفعل التي تشهدها الساحات الثقافية كلما مات مبدع أو مثقف. يقول: أعرف ان كثيرين ممن لم يحبّوني يوما سيتبارون في الإشادة بمناقبي بعد موتي (وهي قليلة لو يعلمون) وسيذهبون بعيدا في امتداح أخلاقي الفاضلة (وهي ليست كذلك دائما). أعرف أيضا أن نقادا كثّرا أغلبهم فاشل سينكبّون منذ أن يهال عليّ تراب الحفرة الضيّقة على مدوّنتي الشعرية فيوسعونها شرحا وتحليلا... أعرف كذلك وذلك لا يعنيني أن مدائن كثيرة ستتبارى في إحياء أربعينيتي وسيدعى الى ذلك أولادي وربما زوجتي حتى يكونوا جميعا من فسيفساء الأربعينية التي غالبا ما يكون مهندسوها من الكذّابين والسفلة والمنافقين..». ويتحدث الشاعر عن الحوارات والنصوص التي ستظهر لأول مرة أو سيعاد نشرها ثم يختتم المقال بقوله: «ليس من حق أي كان أن يزعجني في قبري». 6 ربما لا يريد محجوب ان نقول هذا... لقد خسرت الساحة الشعرية صوتا ممتازا وله وزنه الشعري والثقافي.. وهكذا انتهت رحلة رجل آخر... ولد في بداية الستينات (أوت 1961) بهنشير عيشون بين ماطر وسجنان ونشأ في محيط فقير وبائس وهو يقول عن هذا «وكان علينا ان نتحوّل أيام الآحاد وأيام العطل الى رعاة لقطعان من الماعز..» ويتحدث في نص سيرته الذاتية عن الرحيل الى ماطر واتمام الدراسة هناك وبداية الكتابة. أما في حديثه عن الشعر فيذكر ان هاجسه الدائم هو شعرية النص لا شكله ويعترف ان القصيدة الحقيقية هي التي تختزل الحياة.. 7 هو وداع آخر... فوداعا محجوب العياري!! «سيسير خلف النعش أصحاب قليل سوف يمشي أدعياء كاذبون سيقول نقّاد كلاما غامضا ليوفروا ثمنا لكبش العيد حتى يفرح الأطفال».