أكّد الكاتب الصحفي والمفكر المصري محمد حسنين هيكل ان الولاياتالمتحدة تخوض الآن معركة خاطئة بكل المقاييس، وشدد على أن «الامبراطورية الامريكية» التي تريد أن تلتهم كل شيء، وضعت نفسها في موقف خطير وفي منطقة شديدة الخطر حين أعلنت الحرب على ما تسميه «الارهاب» وحين غزت العراق وقبله افغانستان تحت غطاء تلك الحرب. وفي الحلقة الرابعة من سلسلة المقابلات الاسبوعية التي تبثها قناة «الجزيرة» مساء كل خميس، عرض هيكل صورة قاتمة للامبراطورية الامريكية التي قال عنها في الحلقة السابقة انها باتت متوحشة وتريد ان تبتلع كل ما يعترض طريقها. امبراطورية... في منطقة اضطرابات هيكل أكّد في هذه الحلقة أن الولاياتالمتحدة باتت في موقف مستجد وفريد على مرّ تاريخها فها هي تخوض معركة تختلف تماما وبكل المعايير والمقاييس عن جميع معاركها وحروبها وصراعاتها السابقة بدءا بإبادة الهنود الحمر ووصولا الى المواجهة التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية التسعينات من القرن الماضي. ومع أنه لم يجزم بأن الامبراطورية دخلت في طور السقوط والانهيار الا انه ألمح الى ان المعركة الحالية التي تخوضها امريكا ربما تضعفها الى الحد الذي تبدأ معه رحلة الانهيار. وأكد هيكل ان الولاياتالمتحدة عرضت مستقبلها للخطر حين دخلت في منطقة شديدة الخطورة في محاولة للاستيلاء على «البحر كله». وشدد أيضا على فكرة ان للامبراطوريات بدايات ونهايات وهذا ينطبق تماما على هذه الامبراطورية التي قال ان نهايتها قد لا تكون تقليدية باعتبار طبيعة الصراع الذي دخلت فيه وباعتبار ان هذا الصراع ليس محكوما بثنائية الحق والظلم. ورسم هيكل صورة لهذه الامبراطورية منذ النشأة وصولا الى حالة التمدد والتضخم التي آلت اليها الان. وعدد الكاتب والصحفي المصري في هذا الباب مراحل تكون الامبراطورية من استيطان لموطن الهنود الحمر ثم حرب الاستعمار متمثلة في جلب عشرات الملايين من العبيد من افريقيا ثم الحرب الاهلية وصولا الى الحروب الحديثة التي كانت امريكا تدخلها متأخرة. وكان هيكل يتحدث في هذا السياق تحديدا عن الحربين العالميتين الاولى والثانية اللتين كانت فيهما حدود القتال واضحة وكان هناك عدو محدد ومصالح محددة وغنائم تغطي على النصر كما قال... لكن الامبراطورية الامريكية دخلت الآن معركة اختلطت فيها الاشياء مما جعلها مختلفة تماما عن جميع المعارك السابقة. ف «الارهاب» الذي تقول امريكا انها تواجهه قضية معقدة جدا وهو ما يعني ان امريكا تواجه الان وضعا معقدا جدا. وساق هيكل مثال الحرب العالمية الاولى حيث كانت الولاياتالمتحدة تعرف من تحارب وتدرك الغنيمة التي تسعى وراءها. وكانت امريكا في تلك الحرب تريد ان ترث الامبراطورية التي بناها «بسمارك». وفي الحرب العالمية الثانية ايضا حصل نفس الشيء تقريبا. لكن امريكا الان لا تعرف متى يضربها عدوها كي تتوقاه ولا تعرف مصادر قوته. ولاحظ ان العدو الذي تحاربه امريكا الان قد يقوم باشياء «بدائية» لكنها خطيرة مؤكدا ان معايير النصر والهزيمة لا تتحدد بالاكثر تقدما لان العدو المشار إليه قد يكون اكثر ضررا على الرغم من ان امريكا تمتلك كل اسباب القوة «الماحقة» وقال ايضا ان امريكا دخلت هذه المعركة الخاطئة في الوقت الخطإ وبالاسلوب الخطإ. فرصة... تاريخية وأكّد هيكل في سياق حديثه ان العراق شكل فرصة بالنسبة الى الولاياتالمتحدة لتوسيع انتشارها في العالم موضحا ان العراق كان هدفها الاساسي منذ عشرات السنوات. واعتبر هيكل ان العراق وضع نفسه موضع الهدف في الوقت الذي كانت فيه امريكا تبحث عن ذريعة تبرر بها انتشارها في العالم وللاستحواذ على المنطقة بأكملها. كما تحدث الاعلامي المصري الكبير عن احداث الحادي عشر من سبتمبر مشيرا الى أن الامبراطورية الامريكية عملت على استغلالها على احسن وجه ممكن. وقال هيكل «إن هذه الحادثة وضعتنا امام معركة بلا حدود... بلا نهاية بلا موقع والى الابد»... لانه يضيف هيكل اذا كنت تبحث عن ذريعة تبرر بها انتشارك فعليك ان تستغل اي شيء ولو كان بسيطا للحصول على غنائم للاستيلاء على ثروات القارة بأكملها وشدد هيكل هنا على انه ليس من مصلحة العرب الدخول في صراع مع «الوحش الامريكي» لأن الصراع مع قوة عظيمة قد يؤدي بالعرب الى عواقب وخيمة. لكن حسب هيكل على العرب ان يلفتوا نظرهم الى هذا الوحش ويتمعنوا فيه بدقة، لأن هذا الذي يلفت نظرهم اليوم قد يرونه غدا مدمّرا لبيوتهم. ويقترح هيكل في هذا الصدد اعلان «نوايا سلام» للخروج من حالة العداوة التي ظلت مستمرة بين العرب والمسلمين من جهة و»الوحش الامريكي» من جهة ثانية.