وصلتني منذ أيّام الرواية الجديدة لمنيرة الرّزقي الصّادرة عن دار سحر وهي العمل الثاني الذي أقرأه لمنيرة بعد مجموعتها القصصية البكر. رواية «قليل من الرّغبة» تكشف عن تطوّر كبير في تجربة منيرة ونضج خاصة في البناء الفنّي الذي جاء على قدر كبير من الحرفية والإتّقان. تقدّم منيرة الرّزقي في الرواية سيرة يوسف الأندلسي أحد ضحايا محاكمات اليوسفيين في أواخر الخمسينات إذ تعثر الشّرطة في بيته على صور للزّعيم صالح بن يوسف فيلقى به في صبّاط الظلام ويعاني من التعذيب والإنتقام في الدهاليز المظلمة فيقرّر السّفر الى القاهرة وهناك يعيش أمجاد الثورة النّاصرية وينجب أبنته «رؤى» مضيفة الطّيران التي تشكّل خيط الرّبط الأساسي في الرواية . مراثي تقدّم «رؤى الأندلسي» مجموعة من حكايات الثورات المغدورة من لوممبا الى تشي غيفارا وصالح بن يوسف وجمال عبد النّاصر وصولا الى خراب العراق وغزو المغول الجدد لبلاد الرّافدين وهي الحادثة الأكثر ألما في التاريخ الحديث للعرب بعد اغتصاب فلسطين وكإحتجاج على إحتلال العراق والإطاحة بنظامه الشّرعي ينتحر أيّاد البصري حبيبها فتكون المرارة مضاعفة. تتداخل الحكايات في هذه الرواية لكنّ الخيبة هي القدر المشترك لرؤى بل لوالدها وأمّها فضيلة وأيّاد البصري وكل الثوّار الذين تستحضرهم الرواية وتكتب سيرهم. منيرة الرّزقي في هذه الرواية إعتمدت على مجموعة من الضّمائر أنا أنت هي هم. وقد قسّمت روايتها الى ثلاثة فصول وتختتم الرواية بالبحث في مصائر رفاق النضال الذين عاشوا مع والدها محنة الإستعمار ثمّ لاقوا مصيرا مؤلما بعد الإنشقاق بين شقيّ الحزب وخلاف الزعيمين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف. «قليل من الرّغبة»رواية موجعة كتبت بكثير من الشّعرية ويحضر فيها جزء من تاريخ تونس لعلّه الأكثر إثارة للجدل الى حدّ الأن فالخلاف بين مجموعة الديوان السياسي بزعامة الحبيب بورقيبة والأمانة العامة بزعامة صالح بن يوسف مازال لم يكشف عن كل أسراره رغم كل ما كتب عنه وفيه. هذه الرواية كتابة للتاريخ بوجه مغاير فيه الكثير من الشّعر .