في البداية كانوا يقولون ان العولمة سترفع الحواجز وتلغي الحدود... القرية الكونية كانت موعودة بالنماء وزيادة الخيرات وتقليص الفروقات وتعميم قيم التسامح وحقوق الانسان والديمقراطية... ليعم السلام. بعد سنوات قليلة تبين ان العولمة ليست الا مشروعا متوحشا لتحويل الدول الضعيفة الى مجرد «سوبرماركت» وهي التي لا تقوى على إعالة شعوبها فكيف بها ستواجه المنافسة الشرسة مع الشركات متعددة الجنسيات وعديمة الاخلاق... وكان على الدول الضعيفة ان تجاري التطوّرات غصبا عنها وأساسها خصخصة ثرواتها تحت الارض وفوقها وخصخصة مجالها الجوي والبحري واحيانا خصخصة هويتها وحضارتها... وسيادتها. ومنذ 11 سبتمبر صارت العولمة تختزل في الحرب على الارهاب وهو عنوان لمشروع أبعاده شتى وأهدافه المبطّنة والظاهرة موسومة قبل 11 سبتمبر... في انتظار الذريعة... وكان 11 سبتمبر. القرية الكونية تحولت الى مركز شرطة عملاق حيث يتم استنطاق الأنظمة وحيث توجه لها التهمة وعليها اثبات البراءة... وحيث يتواصل الايقاف والحصار بلا حد... داخل مركز الشرطة الكوني يتوقف العمل بالقانون... كبير القرية الذي يضع نفسه فوق المساءلة لم يعد يهمه ان يفقد الاصدقاء والمناصرين فعنده الغواصات وحاملات الطائرات وصواريخ عابرة للقارات وعنده قواعد عسكرية بداخلها دول صغيرة وزاد فحسب انه مكلف برسالة سماوية. غير ان كبير القرية وقع في ورطة... كل الذين نهشت طائراته لحمهم فقراء... من الصومال الى افغانستان الى السودان وحتى العراق وكل من رفعت في وجوههم العصا عرب ومسلمون فإذا اضفنا سوريا وايران تصبح «كونية» هذه الحرب مشبوهة. وماذا عسى الفقير المعدم ان يخسر... ليس له شيء يبكي عليه لهذا فإن كل تصريح مهين وكل صاروخ يصيب الأبرياء قد يقتل بعضهم ولكنه «يفرّخ» عددا اكبر من الناقمين ويذوب الحد الفاصل بين اليأس والثأر و»الارهاب» وليس غريبا ان نسمع ذات يوم بنظرية «الارهاب الاستباقي» نسجا على منوال «الحرب الاستباقية». وطالما انه لم يتم اكتشاف «فشفاشة» ذكية تذر على العالم فتقتل «الارهابيين» وتبقي «الطيبين» احياء فإن مهمة كبير القرية ستكون عسيرة.. عسيرة جدا.