بعد النكسة التي أصيبت بها المخابرات الأمريكية عندما أخفقت في استنشاق أحداث سبتمبر قبل وقوعها وبعد فقدها ماء الوجه عندما قدمت تقارير مفعمة بالأدلة الواهية حول أسلحة الدمار الشامل في العراق وبعد فشلها في العثور على أكثر الرؤوس المطلوبة في الكرة الأرضية وهما بن لادن وصدام حسين ها هي المخابرات الأمريكية تستعيد فجأة بعضا من مجدها الضائع لمّا حذّرت بدقة الساعات السويسرية من هجومات إرهابية وشيكة في السعودية... دقة تستدعي الاستغراب والدهشة أكثر مما تستدعي الإعجاب!!!؟ فالإرهابيون يعلمون أن المخابرات الأمريكية تعلم وأن الأمن السعودي يعلم ومع ذلك يقدمون على فعلتهم النكراء بل ويعاودون الكرة في اليوم الموالي... هل يعقل هذا؟! سؤالي هذا ليس إلا ما طفا في دماغي من بين حزمة أخرى من الأسئلة صارت منذ سبتمبر نفسه تتراكم في رأسي وتتزاحم ولكن لا جواب... وكيف الاجابة... كيف نقرأ الأحداث وأكثر الحروف ممحاة... وعودة إلى هذه الجرائم الفظيعة التي هزت الرياض... إلى أي مقاييس نخضعها؟.. قتل وحشي لمواطنين آمنين من العرب والمسلمين الذين لا علاقة لهم بالعولمة أو الفيتو أو الاحتلال لا علاقة لهم بالقواعد أو بالصواريخ ولا بالعراق أو أفغانستان... بشر يبحثون عن رزقهم ويساهمون في تنمية السعودية... وبأي حق يقتلون؟ باسم الإسلام... يقتلون نكاية في الأمريكان... يقتلون ثأرا من إسرائيل!!! أي هدف تكتيكي أو استراتيجي حققوه من خلال وحشيتهم وجنونهم!! هم فقط ينفخون في أشرعة من يهاجمون ديننا وحضارتنا... «دين العنف وحضارة الدم»... هم فقط يزوّدون دعاة الحرب على العرب والمسلمين بالأدلة الساطعة والذخيرة الحية لاطلاق النار باتجاهنا... هم يشوّهون قضايا أخرى فيها نبل وشرف مثل المقاومة في العراق وفي فلسطين... هم يعطون بعضا من الصّدقية لترهات إسمها الحروب الإستباقية... صحيح أن الظلم يفرّخ الإرهاب وأن الفقر والمهانة تؤجّج الحقد وتعمي البصيرة وصحيح أيضا أن حرب الأمريكان ضد «الإرهاب» تزرع الإرهابيين أكثر مما تحصد غير أن كل هذا لا يجب أن يعفينا من الاقتناع بأن العيب فينا... ولولا عيبنا ما تجرأ أحد على أن يتسلق أسوارنا ويجتاح غرف نومنا من دون دول العالم... ومن المحيط إلى الخليج... والويل من الزمن الآتي...