عينت تركيا في 26 ماي الماضي (أي قبل 5 أيام فقط من الاعتداء الاسرائيلي على أسطول الحرية) رئيسا جديدا للمخابرات هو حاقان فيدان، مما ثار قلق الدوائر الأمنية والاستخباراتية في الكيان الاسرائيلي. أن يختار رجب طيب أردوغان رئيسا جديدا للمخابرات، فهذا أمر طبيعي، لكن ان يصبح الشخص المعين مثار جدل ومخاوف في اسرائيل، فهذا أمر مستغرب، لكن القراءة الموضوعية لتطورات الازمة، قد تكشف بعض الغموض عن حالة القلق الاسرائيلي، وعن صراع محتمل بين جهازي الاستخبارات في تركيا واسرائيل برئاسة حاقان فيدان ومائير داغان. توجه جديد تجمع كل المؤشرات على ان تعيين حاقان فيدان يأتي ضمن التوجهات الجديدة للسياسة التركية والتي تصطدم مع التوجهات الاسرائيلية في كثير من القضايا. ولا يمكن النظر الى التوجهات التركية الجديدة بمعزل عن الازمة مع اسرائيل، والعلاقة الفاترة مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة. وتتخوف تل أبيب من رئيس المخابرات التركية الجديد لأنه من المقربين جدا من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وترى في تعيينه خطوة نحو القطيعة في التعاون والتنسيق بين جهاز الموساد الاسرائيلي والاستخبارات التركية. يضاف الى ذلك ان حاقان فيدان قد يعزز التعاون الاستخباراتي مع أجهزة الجارتين العدوتين لإسرائيل اي ايران وسوريا. وقد كشفت مصادر صحفية عبرية مؤخرا عن تكثيف جهاز الموساد الاسرائيلي لنشاطاته في تركيا بعيد توتر العلاقات التركية الاسرائيلية، في محاولة لرصد المتغيرات السياسية والامنية. وعلى خلفية ما سبق ذكره يعود دور الموساد الاسرائيلي ورئيسه صاحب المهمات القذرة مائير داغان الى واجهة الاحداث، خاصة بعد ما تردد من أنباء حول خطة اسرائيلية يتم تنفيذها بالتعاون مع المعارضة التركية لإسقاط حكومة رجب طيب أردوغان. ومعلوم ان داغان خبير في عمليات التخريب وفي الاغتيالات وتجنيد العملاء وله سوابق في جنوب لبنان في ثمانينات القرن الماضي، وسجله حافل بالجرائم وقد استقدمه شارون وثبته نتنياهو للتعامل مع ايران و«حزب ا&» والمقاومة الفلسطينية، وهو ضالع في تصفية قيادات وشخصيات أهمها القائد العسكري ل«حزب ا&» عماد مغنية، ويعتقد انه من دبّر عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وهي من أعقد العمليات.ويحيط داغان نفسه بهالة من الغموض، ويعمل في سرية شديدة، ولا تزال عدة عمليات تمت في عهده طي الكتمان. ويعتقد اليوم انه الشخصية الانسب للتعامل مع ملف العلاقات التركية الاسرائيلية، ورصد التحولات السياسية في المنطقة وخاصة التركية منها، ومن غير المستبعد ان يلجأ الى أسلوب العمليات القذرة في أنقرة (اغتيالات وتخريب) لزعزعة الاستقرار واطاحة حكومة رجب طيب أردوغان. ورغم فشل جهاز الموساد في الحفاظ على هوية العملاء الذين اغتالوا القيادي في حماس محمود المبحوح في جانفي الماضي بإمارة دبي، لا يزال داغان المفضل لدى القيادة العسكرية والسياسية. يلقبه المعجبون به ب«الملك» وتصفه الدوائر الامنية ب«أسطورة الموساد» ومرشح لمناصب عليا بعد انتهاء مهامه الحالية. رجل التغيير على الطرف المقابل يقف حاقان فيدان صاحب الخبرة الامنية والسياسية والرجل الذي اصطفاه أردوغان لتغيير وجه المخابرات وتعزيز دورها في السياسة الخارجية، بدلا من عملياتها التقليدية في المراقبة والتنسيق بين الأجهزة الامنية. وقد دعّمت الحكومة توجهها هذا بأن لا تتم اي عملية داخلية الا بإذن قضائي، ووفقا لما تقتضيه الضرورة الامنية. وحاقان فيدان شخصية تحظى بتقدير الحكومة ورئاسة الجمهورية والجيش، باستثناء بعض الدوائر التي تخشى تقاربه مع أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» الاسلامي الحاكم. من ضابط في الجيش لمدة 15 عاما الى مركز قيادة التدخل السريع التابعة ل«الناتو» سطر فيدان مسيرة عملية ناجحة، قادته الى العودة الى مقاعد الدراسة حيث نال شهادة في العلوم السياسية من جامعة ميريلاند الامريكية، وحاز شهادة في الدراسات العليا من جامعة «بيلكنت» التركية حول دور الاستخبارات في السياسة الخارجية» وبعدها نال شهادة الدكتوراه من الجامعة ذاتها حول موضوع «الديبلوماسية في عصر المعلومات ودور تكنولوجيا المعلومات في الاتفاقيات الدولية». وتدرج فيدان في مناصب عليا أهلته لتكوين علاقات جيدة اقليميا ودوليا، الى ان عيّن مؤخرا رئيسا للاستخبارات وهو الشخصية التي تراهن عليها الحكومة لحل المشاكل العالقة مع حزب العمال الكردستاني، وتعزيز العلاقات مع الأطراف الاقليمية والدولية. ويتمتع الرجل بقدرة عالية على ادارة الازمات، وظهر اسمه مؤخرا كمهندس للاتفاق النووي الايراني التركي البرازيلي والذي لا يزال مثار جدل في الغرب. تنتظر الرجل تحديات كبيرة خاصة وان تركيا تتجه الى تغيير تحالفاتها والعودة الى عمقها الاسلامي والى الحضن العربي وهذا يقتضي منه جهدا كبيرا، لأن أنقرة بثقلها وموقعها الجغرافي ودورها الاقليمي ستصبح أكثر عرضة للضغوطات الدولية والى هزّات داخلية محتملة تغذيها أطراف خارجية على رأسها الموساد الاسرائيلي. حاقان فيدان ومائير داغان المهنة واحدة والأساليب مختلفة، كل منهما يقود معركة صامتة لكنها معركة «كسر عظام» في منطقة لا تفارقها التوترات.