لا يختلف اثنان في أن شعب السودان، طيب... شعب طيب الاعراق على اختلاف أعراقه... أرض منبسطة ومنخفضة فيها علو الجبال الشامخة... وعلو الهضاب الخضراء الجميلة... تشق أرض السودان من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، أودية ونيلان أبيض وأزرق... شعب السودان شعب مضياف ومتقبل للآخر... محب للاختلاف، مطلع على ما يجري في الدنيا... كيف لا، وبر السودان محاط بتسع دول... في المطار كما في الشارع، في الخرطوم كما في «دارفور»، أينما وجهت نظرك الا واعترضتك الابتسامة والترحيب.... وشعب السودان قارئ جيد ومستهلك للصحافة المكتوبة بامتياز، كيف لا، والصدور اليومي يشمل أكثر من خمسين صحيفة... كلها، وعلى اختلاف ألوانها ومشاربها تتحدث عن وجع السودان... وآفة التقسيم التي ينفرها السوداني، ويباركها المتهافتون على السودان... على قدر حجم السودان، من جغرافيا ممتدة ومساحة مترامية تجعل منه أكبر دول افريقيا، تكون البؤر المفتوحة نار «فتنة» تارة... ونيران هيمنة واثارة نعرات مفتعلة طورا... منذ عشرين سنة، انطلق أمر في الجنوب السوداني، اسمه انفصال... هذا «الغول» الذي يهدد السودان سرت نيرانه بسرعة، الى أن أصبح الحديث عن الانفصال احتمالا واردا... هذا «الغول» الذي يهدد السودان، بدأ كالعدوى، ينخر الجسد.. فانتقل اليوم الى «دارفور» يهدد كامل بر السودان.... وان اختلفت العناوين... كل «الذين تتحدث اليهم، سواء من أهل الجنوب أو أهل الشمال، من «دارفور» أو من شرق البلاد، يكشفون لك منذ الدقائق الاولى، خوفهم من «الغول»... غول الانفصال... «غول» التشتيت، والبلد مازال يتلمس الحل في الجنوب.... ما الذي يحدث في السودان، حتى يزداد أنينه من هذا الوجع... وجع سببه الغول... غول التقسيم...؟ «بر السودان» صوتا وصورة يعتلي اليوم ركح المسرح العالمي... فهذه الجهة الدولية، ترى فيه مشهدا للتسلية وصناعة مظاهر الممانعة... وصناعة المظاهرات... وتلك الجهة، ترى في السودان، بكل أزماته وتداعياتها مشهدا للفرجة... بعد أن تحور (هذه الجهة) مشاهد المسرحية الى غير صالح أبناء السودان... وجهة ثالثة، وهي المعنية بكل ما يحصل، وأقصد شعب السودان، ترى في المشهد «تراجيديا» يونانية، لا مناص من المعاناة طوال كل فصولها... وجع «في السودان، لأن هذا البلد الجميل... والعريق... والموغل في الحضارة منذ آلاف السنين لا يزال يكابد، يحمل صخرة «سيزيف»... على ظهره... «الوجع» الذي يصيب السودان، من الجنوب الى «دارفور» مرورا بكل البلاد أين تتعطل مناويل التنمية وتعشش الفرقة... والسلاح... ومازال... الوجع موجعا، لنا ولأشقائنا في السودان...