مؤتمر حزب السعادة (الاسلامي) الذي شهدته انقرة (الأحد 11/07/2010) خرج بمجموعة قيادية جديدة وصفت بالتجديدية يقوم على رأسها الدكتور نعمان كرتولموش. الملفت للنظر في هذا المؤتمر أن الزعيم التاريخي لهذه الحركة البروفيسور نجم الدين اربكان سعى جاهدا الى أن يترك بصماته في نتيجة المؤتمر لكنه لم يفلح وفازت قائمة تلميذه نعمان كرتولموش الأمر الذي عكس بشكل بارز سعي قواعد الحركة الأربكانية نحو التجديد ليس في الوجوه القيادية فقط بل في شكل الخطاب السياسي أيضا لقد بدا واضحا في خطاب الزعيم التاريخي لهذه الحركة نجم الدين أربكان أنه لا يزال غير راض عن تلاميذه السابقين (رئيس الجمهورية عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان) حيث وصف سياستهم بالفاشلة واتهمهم بمغالطة الشعب التركي من خلال التلاعب بالأرقام وحذر من مساندتهم مشيرا الى أنه لا فرق بينهم وحزب الشعب الجمهوري المعارض. اما خطاب الزعيم الشاب لحزب السعادة نعمان كرتولموش فقد ركز على رؤية الحزب لمستقبل تركيا ولم يضع الأشخاص هدفا في خطابه واعتبر أن تركيا تعيش تحولات هامة وعميقة يجب أن تتظافر فيها الجهود لتأسيس متين لهذا التحول حتى لا يبقى سطحيا ومرتبطا بالأشخاص، ولعل عبارته الواضحة كانت رسالة الى أستاذه أربكان حينما قال «الوفاء الحقيقي للفكرة وليس للأشخاص» ثم أضاف «هذه الحركة ليست مرهونة لشخص أوجماعة..» لاشك أن هذه الكلمات تعكس رؤية واضحة لدى الزعيم الجديد لحزب السعادة نعمان كرتولموش ونيته الراسخة في رفع وصاية أستاذه نجم الدين أربكان على الحركة التي دامت أكثر من أربعين عاما. خطاب نعمان كرتولموش ركز على شعارين أساسيين الأول هو شعار التجديد والتغيير حينما قال « بدون تغيير أو تجديد لا يمكن لهذه الحركة أن تحقق التقدم والنجاح.. » وهو ما يشير الى أن الحركة الأربكانية ستشهد تحولات عميقة في الرؤية والخطاب خلال المرحلة المقبلة قد تتضح معالمها حال الاستعداد للانتخابات العامة نهاية عام 2011 المقبل. أما الشعار الثاني فهو مبدأ التعاون لا التنافر ، الأمر الذي يعتبره بعض المراقبين مغازلة لحزب العدالة والتنمية الحاكم ومؤشرا على امكانية أن تهيئ هذه الرؤية الجديدة لشكل من أشكال التحالف بين الحزبين، لكن قسما كبيرا من المتابعين للشأن الداخلي التركي يستبعدون ذلك ويرون في الخطاب الجديد لحزب السعادة أنه لا يعدو أن يكون محاولة لاستعادة قسم من انصاره الذين جرفهم تيار العدالة والتنمية حين تصاعدت حالة الغضب على نهج الوصاية الذي اعتمده نجم الدين أربكان على الحركة، أما اليوم فهذه الحركة يعلن زعيمها الجديد نعمان كرتولموش عن رؤية تجديدية ترفض مبدأ الوصاية وهو ما قد يشجع قسما كبيرا من القاعدة الانتخابية التي ساندت حزب أردوغان على العودة الى قاعدتها الطبيعية يتفق معظم المراقبين على أن حزب السعادة قد خرج من هذا المؤتمر برؤية جديدة قد تؤهله للعودة الى الساحة السياسية بزخم جديد يستثمر فيه التراجع النسبي لشعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم ويعزز فيه من جهة اخرى مكتسبات الحركة الليبرالية التركية المتجهة الى تحقيق المزيد من الاصلاحات الدستورية وتعزيز الحريات العامة وحركة الديمقراطية لا سيما وسط أجواء سياسية في تركيا تشير الى ان الحركة القومية التركية بدأت تعكس خلال السنوات الاخيرة عودة الى نهجها القومي المتشدد بالاضافة الى مساع حثيثة يقوم بها حزب الشعب الجمهوري المعارض الى لملمة حركة اليسار الكمالي لمواجهة المرحلة المقبلة حزب السعادة بدأ يستعيد عافيته ويستعد للعودة الى الحياة السياسية من خلال طموحه الى تجاوز حاجز العشرة بالمائة ليكون رقما في البرلمان التركي خلال المرحلة المقبلة ، ولا شك أن دخوله المحتمل الى البرلمان سيعيد ترتيب التوازنات السياسية في أنقرة وقد يفرض شكلا من أشكال الشراكة في الحكومة المقبلة في حال تأكد التراجع النسبي لشعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم أمام تصاعد نسبي لحزب الشعب الجمهوري الكمالي، ففي هذه الحالة ستكون أصوات حزب السعادة رقما صعبا وربما صوتا حاسما في البرلمان التركي..