يأتي توافق حزب السعادة على اختيار السيد نعمان كورتلموش رئيسا للحزب بالتزكية كفاتحة لمرحلة جديدة في تاريخ الحزب الذي يعقد اليوم الأحد 26 أكتوبر مؤتمره العام الثالث برعاية نجم الدين أربكان رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حركة ميللي قوروش الإسلامية التي يتبعها حزب يعد الإجماع على انتخاب كورتلموش بالتزكية مؤشرا على الرغبة الأكيدة لدى القيادات التاريخية للحزب وعلى رأسها زعيمه التاريخي أربكان في ضخ دماء جديدة وتجديد سياساته وأسلوبه. فكورتلموش من القيادات الشابة الساعية للتجديد في الحزب لمواكبة التغيرات العالمية، بالإضافة لكونه أستاذا جامعيا متخصصا في الاقتصاد، ويصغر كورتلموش سلفه رجائي قطان بما يقرب من 30 عاما. من هو نعمان كورتلموش؟ ولدى النظر إلى مسيرة كورتلموش التعليمية سنجد أنه شخصية اقتصادية وصاحب خبرة في العلوم الإنسانية، قضى فترة من حياته في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد ولد نعمان كورتولموش في إستانبول عام 1959 وتخرج في كلية الإدارة بجامعة إستانبول عام 1982، وأنهى دراسة الماجستير من نفس الكلية عام 1984، واستمر في الدراسات العليا بين عامي 1988 و1989 في كلية التجارة وإدارة الأعمال في جامعة تيمبل في أمريكا، حتى حاز في عام 1992 على درجة الدكتوراه في الاقتصاد. عمل كورتلموش كمحاضر ضيف في كلية العلاقات بين الصناعة والعمالة في نيويورك بين عامي 1990 و1993، وله العديد من المقالات المنشورة في مجالات السياسة الاجتماعية، والتوجهات الجديدة في العمل النقابي والنقابات، وكذلك في مجال إدارة الموارد البشرية، كما شارك كورتلموش بالعديد من أوراق العمل في مؤتمرات دولية ومحلية. بدأ كورتلموش مشواره السياسي في حزب "الفضيلة" كرئيس لمكتب الحزب في إستانبول، إلى أن أُغلق الحزب بقرار من المحكمة الدستورية في 22 حزيران 2001، ومن ثم أصبح عضوا في الإدارة العامة لحزب "السعادة" الذي أنشأ بعدها مباشرة. وقبل انتخابه رئيسا للحزب كان كورتلموش نائبا لرئيس الحزب (رجائي قطان) السياسي العجوز الذي قارب على الثمانين الذي كان مدعوما بقوة من أربكان رغم ما كان يتردد عن رفض الأجيال الشابة لقيادته. السعادة كورتلموش.. إلى أين؟ ويثير انتخاب كورتلموش تساؤلات كثيرة في أذهان الأتراك وفي أذهان المتابعين للحركة الإسلامية التركية، منها: لماذا تم اختيار كورتلموش بالذات لرئاسة الحزب؟ وهل سيُحدث الرجل بالفعل تغييرات في سياسات الحزب؟ وفي أي اتجاه ستكون هذه التغييرات في حال حدوثها؟ يقول توران قشلاتجي رئيس تحرير موقع تايم تورك: إن أربكان اختار كورتلموش لرئاسة الحزب لأنه محبوب من أعضاء الحزب بل أيضا خارج الحزب، كما أنه من عائلة معروفة في تركيا وجده الذي سُمي باسمه كان عالما معروفا. في حين يذهب محمد قرباش أوغلو الأستاذ الجامعي والعضو المؤسس لمبادرة مؤتمر الشرق إلى أن شخصية كورتلموش ملائمة لرئاسة الحزب، فهو رجل مثقف ومنفتح وبإمكانه أن يؤسس علاقات مباشرة مع التيارات المختلفة، لكن قرباش يرى أيضا أن كورتلموش يبدو رجلا خجولا لذا لا بد أن يسعى لتقديم صورة رجل السياسة الذي لديه القدرة والقوة والشجاعة والاستعداد الكامل لتولي زمام الحكم في تركيا ولو لم يفعل ذلك فليس من المتوقع أن يفوز بإعجاب الرأي العام التركي. وعلى عكس هذه الصورة الإيجابية يرى إسلام أوزجان الباحث والمترجم المتخصص في شئون الحركات الإسلامية أنه على الرغم من أن كورتلموش لديه ثقافة عميقة في العلوم الإنسانية فإنه ليست لديه خبرة كبيرة في السياسة، وبالتالي فهو يحتاج إلى وقت قبل أن يكتسب هذه الخبرة وقبل أن يقوم بعمل تغييرات مؤثرة في توجهات وسياسات حزب السعادة، وبناء عليه لا يعتقد أوزجان أنه ستكون هناك تغييرات في سياسة الحزب في المدى المنظور، ولكن ربما يحدث تغير في الأسلوب والمنهج، فكورتلموش رجل مثقف وهادئ وبالتالي سيكون أكثر دبلوماسية في التعامل مع خصومه على عكس أربكان الذي كان معروفا بانتقاده الشديد والقاسي لخصومه، وبالتالي سيفتح هذا المجال بابا للتقارب مع منافسيه. ويرى أوزجان أنه لن تحدث أي تغييرات جوهرية في الحزب ما دام أربكان في المشهد السياسي، أما في حالة خروج أربكان من الصورة فقد يتمكن نعمان كورتلموش من إجراء تغييرات في سياسات الحزب الداخلية والخارجية، وعلى رأسها جعل اتخاذ القرار داخل الحزب أكثر ديمقراطية. وفيما يتعلق بفرص السعادة في دخول البرلمان يعتقد أوزجان أن حزب السعادة لا يريد حاليا الوصول للحكم، فهو قد خاض التجربة سابقا وفشل فيها، لذا يفضل حاليا موقع المعارضة خاصة أنه يعرف عدم تمكنه من منافسة العدالة لأن شروط الحياة السياسية في تركيا لن تسمح له بذلك، لذا فهو يكتفي حاليا بالمعارضة وانتقاد سياسات العدالة والتنمية الحاكم. الفقراء.. مستقبل السعادة وبإزاء الآراء التي ذهب إليها أوزجان يختلف قرباش أوغلو الذي يرى أن حزب السعادة بقيادته الجديدة لديه الفرصة للمنافسة بقوة في الساحة السياسية، بل لدخول البرلمان والمشاركة في الحكم بشرط تبنيه للسياسات الملائمة في المجالات التي تمس احتياجات الشعب التركي. ففي الجانب الاقتصادي عليه أن يأخذ بعين الاعتبار التوجه القوي في العالم الإسلامي للتعاون بين الإسلاميين واليساريين، وأن يصبح ممثلا لمصالح الطبقات الفقيرة والوسطى وليس ممثلا للأثرياء كما أصبح حزب العدالة والتنمية الذي زادت في عهده الفجوة بين الأغنياء والفقراء في تركيا. كما يرى قرباش أنه إذا استمر حزب العدالة والتنمية في سياساته الحالية فسيتمكن حزب السعادة من الدخول إلى البرلمان بسهولة. وكون كورتلموش اقتصاديا سيزيد من فرص السعادة ولكن بشرط أن تكون لديه مخططات اقتصادية واضحة وأن يكون بإمكانه الوقوف في وجه الرأسمالية العالمية. ويتفق توران قشلاتجي مع قرباش على أن حزب السعادة بقيادة كورتلموش سيتمكن من الحضور بقوة على الساحة السياسية، ويستدل على هذا بمواقف كورتلموش ومنها قوله إنه لن يستعمل لغة السعادة القديمة ولا لغة العدالة، فمثلا فيما يتعلق بالدخول في الاتحاد الأوروبي يقول كورتلموش إن حزبه لا يسعى لتكون تركيا جزءا من الحضارة الغربية، وإنما تركيا جزء من الحضارة الإسلامية ويمكن أن تتعاون مع الحضارة الغربية. المعارضة القادمة إسلامية ويعتقد قشلاتجي أنه لا يمكن منافسة حزب العدالة والتنمية إلا من قبل حزب إسلامي، وبالتالي هناك احتمال قوي أن يتمكن السعادة من دخول البرلمان ربما بعدد نواب قليل في البداية يزيد في المستقبل، وهذا يعتمد على سياسات الحزب المستقبلية. وهو ما يوافقه عليه قرباش الذي يرى أن الشعب التركي في أغلبيته محافظ ومعتز بإسلامه وبالتالي لن يعطي صوته للمعارضة العلمانية وإنما سيبحث عن البديل الإسلامي وبإمكان حزب السعادة برئاسته الجديدة أن يكون هذا البديل. بين العدالة والسعادة وهنا يتبادر إلى الذهن هذا التساؤل عن تأثير تولي رئاسة حزب السعادة شخص يراه الكثيرون من المجددين بل يتوقعون أن يذهب بسياسات الحزب إلى اتجاه أكثر انفتاحا، على طبيعة العلاقة المستقبلية بين حزبي السعادة والعدالة. فهل سيؤدي التجديد في السعادة إلى حدوث تقارب بين الفريقين أم أننا سنشهد زيادة في حدة التنافس بينهما؟ وهل سيستعيد السعادة بعضا من جمهوره وأعضائه الذين خسرهم لصالح العدالة والتنمية؟ ولعل ما غذى هذا التساؤل ما نشرته وسائل الإعلام التركية قبيل انتخاب كورتلموش عن رغبة عدد من أعضاء حزب العدالة والتنمية في الانتقال إلى حزب السعادة في حالة تولي كورتلموش رئاسته. وفي الإطار يرى قرباش أن أغلب نواب العدالة الذين يريدون العودة إلى حزب السعادة يرغبون فقط في انتهاز الفرصة. فبعضهم يعتقد أنه لن يسمح له بالترشح ثانية على قوائم العدالة وبالتالي يريد أن يجرب فرصته مع حزب السعادة، وينصح قرباش رئاسة السعادة بأن تقبل هؤلاء العائدين ولكن دون إعطائهم صلاحيات كبيرة حتى لا يسيئوا للحزب كما حدث مع حزب العدالة الذي انضم إليه أعضاء انتهازيون لا علاقة لهم بالفكرة الإسلامية وقبلهم الحزب باسم التعددية ولكنهم أساءوا إليه فيما بعد. كما يعتقد قرباش أن السعادة سيجتذب بعض أنصار العدالة والتنمية، إذ ليس كل من صوت للعدالة مؤيدا له ولكن لم يكن هناك بديل آخر، ولن يظهر بديل في المستقبل القريب إذا لم يستغل حزب السعادة الفرصة. لكن أوزجان لا يذهب مذهب قرباش في هذه النقطة، ولا يظن أن انتخاب كورتلموش سيؤدي إلى عودة عدد من أعضاء حزب العدالة إلى حزب السعادة، لأن القاعدة الجماهيرية للسعادة محدودة جدا وبالتالي لن يتمكن من دخول البرلمان في أي انتخابات قادمة، بل يعتقد أن حزب السعادة لن يتمكن من اجتذاب أنصار حزب العدالة صاحب الشعبية الكبيرة، فهم يتذكرون جيدا وعود أربكان أثناء رئاسته لحزب الرفاه التي لم يتمكن من تنفيذها عند توليه رئاسة الوزراء، كما يعرف الجمهور التركي حدود النظام العلماني الذي لن يسمح لهذه الوعود بأن تنفذ؛ لذا يفضل الشعب التركي اختيار المعتدلين ممثلين في حزب العدالة. بينما ينظر قشلاتجي إلى الموضوع من منظور مختلف فهو يرى أنه في حالة حدوث تصاعد في شعبية السعادة فسيكون هذا في مصلحة العدالة الذي يحتاج لمعارضة إسلامية قوية لكي يستطيع تمرير بعض سياساته مثل رفع الحظر على دخول الطالبات المحجبات للجامعة بزعم أن هناك ضغطا شعبيا قويا في اتجاه تمرير مثل هذه القوانين، وبالتالي يرى قشلاتجي أن المرحلة القادمة ستشهد تعاونا بين حزبي العدالة والسعادة.