عادت الولاياتالمتحدة الى نشر التقارير التي تضخّم من خطورة تنظيم «القاعدة» في اليمن، في مسعى جديد لايجاد موطئ قدم لها في منطقة تعلم واشنطن قبل غيرها ان الاخذ بناصيتها يحتاج منها جهدا ما بعده جهد ويكلّفها عنتا شديدا إن هي أرادت الحفاظ على مصالحها الحيوية ولو استدعى ذلك اشاعة الفوضى وإيقاظ الفتن وضرب أبناء الشعب الواحد بعضهم ببعض. والطريف أن التحذير الذي صدر عن رئيس هيئة الاركان العسكرية الامريكية المشتركة مايك مولن من أن تنظيم «القاعدة» في اليمن أصبح أشد خطرا من جناح التنظيم في باكستان، جاء تزامنا مع تقرير لمنظّمة العفو الدولية اتهم الولاياتالمتحدة بتنفيذ غارات أسفرت عن سقوط مدنيين بينهم أطفال خلال التدخلات الامريكية لضرب «القاعدة» في جنوب اليمن باستخدام الطائرات بلا طيّار. ورغم هذا الاتهام وهو ليس الاول تبدو الولاياتالمتحدة متّجهة نحو استئناف هجماتها على «القاعدة» وبنفس الأساليب استنادا الى اتفاق مسبق مع المخابرات اليمنية يقضي يألا يكون هناك وجود عسكري أمريكي على الأرض وانما فقط يكون هناك استخدام تقني للطائرات بلا طيّار، لكن يبقى احتمال الاستخدام الخاطئ لهذه الطائرات قائما بدرجة كبيرة، وهو ما يؤدّي الى نتائج عكسية ستزيد من سخط اليمنيين على التدخل غير المرغوب فيه من الامريكيين وربّما الأهم من ذلك أنها ستؤدّي الى خلق حالة من التوتر السياسي داخل اليمن وستسبّب حرجا للحكومة التي تحارب تمرّدا على أكثر من واجهة ولا تزال تنتظر أن يفي المجتمع الدولي بوعوده بتقديم المساعدات اللازمة لها لمعالجة قضاياها الاجتماعية والاقتصادية التي تنعكس بشكل مباشر على الوضع السياسي والأمني. ربّما لهذه الاسباب مجتمعة بادرت الحكومة اليمنية بتفنيد ما جاء في التقييم الامريكي وهوّنت من حجم تأثير «القاعدة» ومن قوّتها، والأهم من ذلك أنها أكّدت انها هي وحدها التي ستتصدّى للتنظيم وأن مكافحة الارهاب ستظل مسؤولية قوات الامن اليمنية وحدها، وأن هذه القوات لها من الكفاءة والاقتدار والدراية ما يؤهلها للقيام بمهمتها بنجاح. هذا الموقف اليمني فيه رسالة واضحة الى الحليف الامريكي في مجال مكافحة الارهاب مفادها ان اليمن أدرى بمصالحه وبأهدافه وخططه للتحرّك، وأهل اليمن أدرى بشعابه وسهوله وجباله وثغوره التي يتّخذ منها الارهابيون مخابئ ومنطلقات لتنفيذ هجماتهم وأن اليمن ليس في حاجة الآن الى مزيد من المشاكل خصوصا أن ما يسمّى «الحراك الجنوبي» بات يُحصي على الحكومة زلاتها وهو ينتظر الفرصة المناسبة لاثارة القلاقل وإحياء فكرة الانفصال، كما ان الحوثيين في الشمال يتربّصون الدوائر بحكومة علي عبد الله صالح ويتصيّدون الفرص الملائمة لاستئناف معركتهم التي لا تنتهي مع القوات اليمنية. هي إذن مشكلة يمنية خالصة وإن اتّخذت أبعادا اقليمية وإيديولوجية، ويبقى حلّها يمنيا أي نابعا من الداخل ولكن بمساعدة لوجيستية ضرورية من الخارج.