من بصمات الاسلام جميلة بنت سعد بن الربيع أحد النقباء يوم بيعة العقبة الكبرى. ومن سيرة هذا الصحابي أنه يوم آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، آخى بينه وبين الصحابي المهاجر عبد الرحمان بن عوف الذي ترك ماله وداره في مكة الى المدينة مهاجرا في سبيل الله، وسجل الأنصاري سعد بن الربيع أحد المواقف التي سجلها التاريخ للأنصار، فقد قسم سعد بن الربيع في مكة، كل ما يملكه بينه وبين أخيه من المدينة عبد الرحمان بن عوف. يوم بدر الكبرى، أظهر الصحابي سعد بن الربيع بطولة وشجاعة نادرة، و تفانى شجاعة وبطولة غير مسبوقة يوم أحد ،و طعن سبعين طعنة بعد أن قتل من الكفار الكثير. وبعد انتهاء المعركة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله من الصحابة: هل من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ فخرج رجل من الأنصار يطوف في القتلى، حتى وجد سعدا جريحاً. فقال: ياسعد ان رسول الله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال سعد: فاني في الأموات، فأبلغ رسول الله مني السلام وقل: ان سعداً يقول: جزاك الله عني خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك مني السلام وقل لهم: ان سعدا يقول لكم: انه لا عذر لكم عند الله ان خلص الى نبيكم ومنكم عين تطرف. وهكذا نال الشهادة في سبيل الله يوم أحد، وترك سعد بن الربيع رضي الله عنه امرأته حاملا فوضعت له بعد استشهاده الصحابية جميلة صاحبة سيرتنا هذه. وحول نشأة هذه السيدة الفاضلة قال الباحث الاسلامي منصور عبد الحكيم: نشأت السيدة جميلة يتيمة، فرعاها أبو بكر الصديق في حجره وتحت رعايته، فكان يعرف قدر أبيها وقدرها حتى حين كبرت ونضجت وشبت عن الطوق، وتولى هو الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلقي لها رداءه لتجلس عليه، وتعجب عمر بن الخطاب لفعل أبي بكر فيقول له: من هذه؟ قال الصديق: هذه ابنة من هو خير مني ومنك. قال عمر: ومن هو ؟ قال: رجل تبوأ مقعده من الجنة وبقيت أنا وأنت، هذه ابنة سعد بن الربيع، كان من النقباء يوم العقبة، وشهد بدرا واستشهد يوم أحد. ومما يذكره التاريخ الاسلامي والسيرة النبوية العطرة نزول آية الميراث في حق جميلة: حيث كانت النساء في الجاهلية وصدر الاسلام لا ترث، وسعد بن الربيع مات وترك ابنتين وزوجته، فأخذ أخوه كل ما يملك. وأساء فعل أخيه زوجته عمرة بنت حزم بن زيد النجارية، وذهبت الى رسول الله فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيدا، وان عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان الا ولهما مال. فقال: يقضي الله في ذلك. فأنزلت آية المواريث، فبعث الى عمهما فقال: أعط بنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك. قال تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وان كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد فان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فان كان له اخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين، آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما}. وتزوجت جميلة بنت سعد من الصحابي الكبير شيخ القراء وكاتب الوحي والمصحف في عهد أبي بكر رضي الله عنه وعثمان بن عفان، زيد بن ثابت الأنصاري، وكما تعلمت جميلة من أبي بكر الصديق، كذلك تعلمت من زوجها زيد بن ثابت، فكانت من الفقيهات ذوات العلم والرأي الرشيد. وأنجبت له أولاده: خارجة وسليمان ويحيى وعمارة، واسماعيل، وأسعد، وعبادة، واسحاق وحسنة، وعمرة، وأم كلثوم. ومن مظاهر الحب والجود وصلة الرحم، تنازلت جميلة بنت سعد عن حقها في الميراث لأختها الكبرى فقالت: ما كنت لأطلب من أختي شيئا. ومن شدّة حبها لقراءة القرآن الكريم، كانت لها دراية بأسباب النزول، وأتقنت حفظه وذكر ابن الأثير أن جميلة بنت سعد وكنيتها أم سعد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم فكانت لها صحبة ورواية عنه.. منها: قالت: دخلت على أم عمارة رضي الله عنها فقلت لها: يا خالة أخبريني خبرك. فقالت: خرجت أول النهار، أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت الى رسول الله، وهو في أصحابه فلما انهزم المسلمون، فقمت أباشر القتال، وأذب عن رسول الله بالسيف، وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح الي. قالت أم سعد: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور. فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت أم عمارة: ابن قميئة.. لما ولى الناس عن رسول الله أقبل يقول: دلوني على محمد، لا نجوت ان نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كانت عليه درعان. عاشت جميلة بنت سعد الى بعد وفاة زوجها زيد بن ثابت، أي بعد عام 45 ه .