سهر جمهور الفنّ الراقي مساء الاثنين بقصر الرباط بسوسة مع واحد من العروض الفنية عميقة البحث والأبعاد والتي أخرجت هذا الجمهور من رتابة عروض الطرب المنسوخة فكان عرض «وجد 2» للمبدعة على الدوام سنيا مبارك مسك ختام المهرجان بل الشمس التي أضاءت برمجة هذه الدورة. «جمهوري لا ينحصر في فئة معيّنة» هكذا صرّحت المطربة الأصيلة سنيا مبارك ل«الشروق» والحاضر في عرضها بسوسة يتأكد دون شكّ من وجاهة هذه الحقيقة وموضوعيتها حيث غصّ هذا الفضاء رغم أنه يعتبر بمثابة «مسرح الجيب» لضيق مساحته بجماهير من مختلف الأعمار والفئات بقيت إلى آخر الحفل في تفاعل وصل حدّ النشوة. مراهنة ناجعة «ليس من السهل المغامرة في عرض بإنتاج خاصّ» ولكن عكس الحفل نقيض ما صرّحت به سنيا فلم تكن بالمغامرة بالمرّة حيث كان الجمهور كأنّه لم يأت إلاّ ليسمع جديد سنيا وهكذا عوّدته فكان التفاعل، فاق حتى انتظارات سنيا حيث فاجأها أحد الحاضرين بعد الحفل بترديد كلمات أغنيتها الأولى «قصدت بابك» كلمات محيي الدين خريف وألحان سنيا ورشيد يدعس مما جعلها تندهش وزادت سعادتها عندما نزل أحد الشيوخ إلى الكواليس شادّا على يدها صابّا عليها بوابل دعاء الخير والثّناء في موقف شهد تأثر سنيا والتي لم تكن هذه النماذج إلاّ نتاجا لجدّيتها وحرصها على تفعيل فنّ راق لا يقبل أنصاف الحلول، أكسبها احترام النّاس البعيد عن التصنّع والرياء والخالص لشخصيتها ولفنّها. عمق الكلمة وتمازج الألحان تضمّن العرض ثلاث عشرة أغنية تراوحت بين التراثية («قصدي انظر»، «النبي ومثاله»، «زدني بفرط الحب»، «قد أشرق البدر المنير»، «يا قمر الليل» جلّها للشيخ العروسي بن خميس التركي) وانتاجات جديدة من كلمات محيي الدين خريف ومحمود بن صابر وأبي سعيد الأندلسي وخالد الوغلاني والباكستاني محمد اقبال). أما ألحان هذه الأغاني فكانت لسنيا مبارك ورشيد يدعس والشاذلي أنور وفتحي زغندة، شكلت جولة بين الأندلسيات والنفس التركي والمقامات التونسية عبّرت عنها سنيا قائلة: «إنها انعكاس لوجداني» شكلت مع الكلمات رحلة أخذت الجمهور في رحلة ما إن تتخذ مستقرا حتى تلاحق الأفق.