جلس الى علبة كرتونية في استراحة هي اشبه باستراحة المحارب بعد أن أعاد ترتيب مجموعة اللعب من بالونات ومسدسات مائية وعرائس بلاستيكية وغيرها من لعب الأطفال التي لا تتجاوز سعر أغلاها الخمسة دنانير، محمد علي كهل في عقده الخامس شأنه شأن الكثيرين ممن أضافوا الفرحة للأطفال في العيد تاركين أطفالهم في البيوت . من بائعي اللعب المنتصبين على الطرقات الى عمّال مدن الألعاب، باعة السندويتش والفشّار... مصوّرون وباعة الكاكي، سائقي الحافلات وغيرهم كثيرون اضافوا الفرحة للأطفال يوم العيد ليكون للعيد ذلك الطعم الذي نعرفه لكن من يسعدهم؟ ومن يضيف اليهم الفرحة؟ أعيادهم مؤجلة تصبب العرق من جبينه واتسخت ملابسه بفعل تلك الأمطار التي هطلت لفترة وتركت بقعها الرمادية على سرواله الابيض... الا انه لم يبد اي اهتمام وانشغل في عمله امام اللعبة التي تتطلب نوعا من التركيز يفتح باب الغرفة المعلقة ليركب الأطفال فيها قبل ان يغلقها بإحكام السيد مبروك عامل مجتهد بالفضاء المخصص للألعاب منذ أعوام قاربت التسعة أعياد... نسي فيها مبروك طعم العيد مع اسرته الصغيرة التي يعود افرادها كل موسم الى مسقط رأسه بقفصة عن فرحة العيد يقول: «مهنتي هي اضافة الفرحة بالعيد الذي لن يكون له طعم من دون الألعاب ومن دون عبث الأطفال، تلك هي الخبزة التي تجبرني كما تجبر غيري، ممن يزاولون مهنا هي مهن للفرحة ان يعملوا حين يرتاح البقية وأطفالي يدركون هذا الامر لذلك يعودون الى مسقط رأسنا لمشاركة باقي العائلة الفرحة في حين أبقى أنا بالعاصمة للعمل لكن هذا لا يمنع من كون عيدنا موجود لكنه مؤجل فقط لأيام حتى نجتمع معا كأسرة من جديد». ملزمون بالصبر حال السيدة منجية الزواري لا يختلف عن حال مبروك في شيء فهي أم لأربعة أطفال الا انها تعمل أيام العيد الى ساعات متأخرة واقفة الى «نصبة» متحركة مخصصة لبيع الكسكروت والبيض والمرقاز المشوي... فأيام العيد في نظرها هي ايام البركة التي تنتظرها بفارغ الصبر حيث يمكنها ان تبيع أضعاف اضعاف ما تبيعه في الايام العادية اذ بامكانها ان تبيع ما يقارب المائتين وخمسين سندويتشا للأطفال بأسعار تعتبرها جيّدة ليوم العيد بعكس الايام العادية التي يكون مكسبها قليلا: «اعرف انه عيد للأطفال فقط... وأبنائي هم أطفال لكن من مشمولاتي العمل خاصة في العيد فأنا ارملة منذ 3 أعوام والعيد قد يكون راحة للبعض فقط لكنه واجب للبقية، ومن دون باعة الكسكروت قد لا يكون للعيد طعمه الذي عرفناه منذ كنا أطفالا». مصوّرو الأفراح حاملا آلة التصوير الرقمية على كتفه وبجيبه الأيمن للسروال مجموعة «بطاقات زيارة» كتب عليها عنوان محله ورقم هاتفه وعبارة مدفوعة الأجر في حين وقف شريكه حذو الحصان الذي تزين بشتى أنواع الزينة.. صورة واحدة بسعر جملي قدره 4 دنانير... مكرم ليس وحده من يمارس مهنة التصوير يوم العيد في ساحة باردو... غيره كثيرون انتصبوا هنا وهناك.. ولكل واحد ميزة خاصة به هذا حصان وآخر مركب بحري وثالث آلات موسيقية وآخرون اختلفت ديكوراتهم بين الورود والكراسي الملوكية الى الحيوانات البلاستيكية والدراجات النارية ولكل ديكور مصوّره الخاص المنتصب الى الطريق العام حيث تزاحم الأطفال ليس بحثا عن صورة مميّزة بل عن ركوب هذه الصورة أو اخرى. مكرم مصوّر يعمل باحدى المحلات المخصصة للتصوير الشمسي. في يوم العيد يعمل هو والفريق الذي معه بالمحل اذ ان يوم العيد هو يوم العمل الحقيقي مثله مثل الأعراس والحفلات: «عيد فطر دون مصوّر بالشارع لا يعتبر عيد فوجوده جدّ ضروري اذا لم نقل مؤكد ليكون للعيد طعم». هكذا علّق مكرم على الأمر مضيفا: «كل عيد له خصوصيته التي تميّزه، فعيد الفطر معناه ملابس جديدة كما معناه لعب وماناج وحلويات وصور للذكرى... وغيرها من تلك الأمور لذا وجودنا عيد في ذاته». اختلفت المهن التي تصنع العيد... الباعة المنتصبون وعمال مراقبة وصيانة الألعاب والمصورون.. سائقو وسائل النقل العمومي... وغيرهم... لكن من يصنع عيدهم في ذلك اليوم وهم يقفون الى محطة الحافلات في آخر اليوم تحت فانوس شبه مضيء وعلى حافة بركة راكدة تركتها مياه أمطار القيلولة يعودون مساء لأطفاهم ليبدؤوا عيدهم ليلا.