بعد استهلاكنا لكميات هائلة من الدراما المكسيكية والتركية، وغرقنا في موضوعات تتكرر كل عام في قضايا متشابهة في الوجوه متقاربة في الطرح إلى حد كبير، بات الوقت سانحا للعودة إلى الأدب العربي النابع منا ومن حاراتنا، ومن بحرنا ومن سطوحنا ومن أزقتنا ومن أجسادنا التي تحكي قصص حياتنا من قضايانا التي تحتاج للتأمل وهي ممتدة من مغربنا إلى مشرقنا. رواية الكاتب السوري حنا مينا «نهاية رجل شجاع» التي حركت الكاميرا السورية وكرست حضورها في مواجهة مع ما كان سائدا وبائسا من أنماط درامية مستهكلة، حيث حرّضت تلك الرواية على الارتقاء بالعمل الفني (السوري) المرتبط بالدراما إلى أن وصلنا إلى مواصفات تحترم عقل المشاهد وتعمل على إبراز حقائق كان من الصعب إنتاجها وتسويقها. تأتي اليوم رواية «ذاكرة الجسد» للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي لتثبت أن الأدب العربي واللغة الشعرية والفلسفية قادرة على جذب المشاهد مهما تنوعت خلفيته الاجتماعية والاقتصادية، وتبقى الشريحة الكبرى التي ليس لها سوى التلفزيون منفذا للذهاب بعيدا عن هموم الحياة التي تحيط بها من نواح عدة وإذا عدنا بالذاكرة قليلا إلى الفترة التي أنتجت فيها مصر روايات نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس لتبقى هذه الروايات بمثابة مراجع أدبية ودرامية أعلت من الشأن الفني المصري في تلك الحقبة، ثم جاءت موجة «المقاولات الفنية» التي ضربت الأعمال الدرامية وأنتجت مجموعة من الأعمال لا قيمة لها سوى وضع صورة على شاشة باهتة، شجعت على استسهال واستنساخ قضايا غير ذات قيمة، تعتمد الصراخ وتلميع صورة النجم الذي يكتب له مسلسل سنوي وهو بدوره يحول كل من حوله مجرد (كومبارس) يعملون على تفخيمه وتلميعه. وهذا ما ساعد على الغياب الكلي للثقافة أو للتثقيف والذي عادة كان مربوطا ومرتبطا بأن يقترب الإنسان من الكتاب ويتعامل مع ما بداخله من جدل ومن وجدان وقضايا إنسانية، ثمّة فرصة سانحة لتقديم الأعمال الأدبية العربية إلى المشاهد كأعمال درامية بمستوى شبيه بأعمال نجيب محفوظ وحنا مينا وأحلام مستغانمي وغيرهم... فما المانع من أن نتعرّف إلى المغرب من خلال رواية محمد شكري «الخبز الحافي» ورواية الكاتب الجزائري واسيني الأعرج «شرفات بحر الشمال» ورواية «تلك العتمة» للكاتب المغربي الطاهر بن جلون والتعرف إلى وجه آخر للبنان للروائي حسن داوود في «سنة الأوتماتيك» ونذهب إلى السعودية من خلال رواية عبده خال «ترمي بشرر» ومن العراق فؤاد التكرلي في روايته «المسرات والأوجاع».... وهناك كثير من الأدب الروائي يحتاج لكاميرا ومخرج شجاع.