كل ما تريد معرفته عن الازدواج الضريبي للتونسيين بالخارج    منظمة إرشاد المستهلك تعبّر عن انشغالها بشأن عدم تطبيق بعض البنوك للفصل 412 جديد من المجلّة التجاريّة    الزمالك يعلن إقالة مدربه بيسيرو    فيديو/ معطيات جديدة وصادمة في جريمة قتل المحامية منجية المناعي..#خبر_عاجل    مصر وقطر في بيان مشترك: جهودنا في وساطة غزة مستمرة ومنسقة    تونس تتلقى دعوة للمشاركة في قمة "استثمر في باوتشي"    مزاد على قميص صلاح... قيمته تتجاوزال 50 مليون    هذه أسعار أضاحي العيد بهذه الولاية..    بداية من بعد ظهر اليوم: أمطار غزيرة ورياح قوية    بعد ظهر اليوم:سحب رعدية وأمطار غزيرة    الدورة الثانية للتظاهرة الثقافية 'عودة الفينيقيين' يوم 11 ماي بولاية بنزرت    الدورة الخامسة لتظاهرة اليوم البيئي يوم الاحد المقبل بمدينة حمام سوسة تحت شعار 'بيئتنا مسؤوليتنا'    اليوم في المسرح البلدي بالعاصمة: فيصل الحضيري يقدم "كاستينغ" امام شبابيك مغلقة    أطعمة تساهم في خفض ضغط الدم دون الحاجة لتقليل الملح    عاجل/ نفوق عدد من الأبقار ببنزرت..وممثّل نقابة الفلاحين بالجهة يكشف ويُوضّح..    وليد بن صالح رئيسا للجامعة الافريقية للخبراء المحاسبين    رفض الإفراج عن الخطيب الإدريسي وتأجيل محاكمته إلى جوان المقبل    خبير بنكي: استعمال ''الكمبيالة'' يزداد وإقبال كبير من الشركات    هام/ موعد اختتام السنة الدراسية..وتفاصيل روزنامة الامتحانات..    وزير التشغيل والتكوين المهني يدعو الى ترويج تجربة تونس في مجال التكوين المستمر دوليا    يقطع الكهرباء ويجدول الديون.. القبض على شخص ينتحل صفة عون ستاغ..    يهم أولياء تلاميذ المدارس الابتدائية: تعرفوا على روزنامة الامتحانات المتبقية    قفصة: أفاعي سامة تهدد التونسيين في الصيف    باريس سان جيرمان وأرسنال..موعد المباراة والقنوات الناقلة    مهم للحجيج التونسيين: الضحية ب 192 دولارًا والسعودية تُحدّد الجهات الرسمية    واشنطن تُسرّع خططها لضم غرينلاند.. تقارير تكشف تعليمات سرية للمخابرات الأمريكية    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    تونس: أسعار ''علّوش'' العيد بين 800 و مليون و200 دينار    ترامب يدعو إلى التهدئة بين الهند وباكستان    نفوق الأبقار: فلاحو بنزرت يستغثون    عاجل : وزارة التجهيز تعلن عن موعد انتهاء أشغال تهيئة المدخل الجنوبي للعاصمة    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    الإصابة تنهي موسم المهاجم الدولي إلياس سعد    تفعيل خدمات النفاذ المجاني للأنترنات بمطارات صفاقس وتوزر وقفصة وطبرقة وقابس    المهدية: تحيّل باسم ''الستاغ'' وسلب أموال المواطنين    بطولة الكويت - طه ياسين الخنيسي هداف مع نادي الكويت امام العربي    قتلى وجرحى في قصف متبادل بين الهند و باكستان    الصين: روبوت يخرج عن السيطرة و'يهاجم' مبرمجيه!    هدف فراتيسي يحسم تأهل إنتر لنهائي رابطة الأبطال بفوز مثير على برشلونة    واشنطن تعلن تهريب خمسة معارضين فنزويليين من داخل كاراكاس    كوريا الشمالية.. الزعيم يرفع إنتاج الذخائر لمستوى قياسي ويعلن الجاهزية القصوى    المهدية: اختتام مهرجان الوثائقي الجوّال في نسخته الرابعة: الفيلم المصري «راقودة» يفوز بالجائزة الأولى    في تعاون ثقافي قطري تونسي ... ماسح الأحذية» في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما    ر م ع ديوان الحبوب: جاهزون للموسم الفلاحي    أقر اجراءات استثنائية.. مجلس وزاري مضيق حول تحسين جودة قطاع النقل    ديناميكية التحويلات: مساهمة حيوية للمغتربين في دعم الاقتصاد التونسي    زغوان: امتلاء سدود وبحيرات الجهة بنسبة تتجاوز 43 بالمائة    افتتاح مقر جديد بتونس للشركة السويسرية "روش فارما" بتونس وليبيا    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    ثورة في عالم الموضة: أول حقيبة يد مصنوعة من ''جلد ديناصور''    تظاهرة ثقافية في باجة احتفالا بشهر التراث    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    المنتخب التونسي في ثلاث مواجهات ودية استعداداً لتصفيات مونديال 2026    كل ما تريد معرفته عن حفلة ''Met Gala 2025''    بطولة روما للتنس :انس جابر تستهل مشوارها بملاقاة التشيكية كفيتوفا والرومانية بيغو    طقس الثلاثاء: أمطار غزيرة بهذه المناطق    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خواطر عربية: يكتبها اليوم من لندن الأستاذ علي الصراف: تونس إذ تُغريك
نشر في الشروق يوم 25 - 09 - 2010

لم يسعني الا أن أقبل الدعوة الكريمة من هذه الصحيفة الرفيعة لكي أكون واحدا من كُتّابها، وأن أطلَّ على قرائها لأجد نفسي بينهم، منشغلا بما ينشغلون، ومتأملا بما يتأملون.
فلتونس عطرُها الخاص. وهي اذ تُغريك، فلأنها تعرف بماذا.
لقد صنع هذا البلدُ تجربةً تستحق أن تُقتفى وأن يُنظر اليها كمدرسة؛ صنع ما يجعل منه منارةً لمشروعِ تحديثٍ ما نزال، في غير صقعٍ من أصقاعنا، نبحث عنه. وهو هنا يغذي السيرَ الى الأمام؛ يشقُّ منافذَ جديدة للتنمية ويرسي معالمَ اضافيةٍ على عمرانه الاجتماعي، ويبحث عن سُبلٍ أخرى، ثم أخرى للانخراط في المستقبل.
قبل ما يناهز 15 عاما زرت تونس للمرة الأولى. فوجدت نفسي في ورشة عمران عملاقة. فمن اينما نظرتَ اليها، تراها تبني. ومن حيثما جئتها تراها غارقة في عمل.
أكان الأمرُ مشروعا لوضع حجر على حجر؟ أو لصنع غنى عابر؟ أو للظهور بمظهر هندسي لائق؟
الاغراءُ الأول، كان أن تنظر ليس الى ما ينهضُ فوق الأرض، بل الى ما ينهض من خلالها؛ الى ذلك الشيء الذي ينهضُ من روحها كما ينهضُ الغصنُ، أو كما ينهضُ برعمُ الوردة.
لتكتشف أن وراء العمران عمرانا آخر. ولتكتشف أن ما تُخفيه تونس عنك أكبر بكثير مما ينهض من منشآتها.
العمرانُ الآخر كان هو الأهم. انه عمرانُ الانسان أولا، ثم عمرانُ المجتمع كوحدةٍ واحدةٍ، ثم عمرانُ المؤسسة.
شيء ما، في الملمح الأول، يقولُ لك أن ثمّة في الأمرِ لغزا.
ولكن أحدا ما، في الملمح الثاني، سيكشفُ عن نفسه، ليُريك أن ثمّة في الأمر روحا وطنيةً، تستنهضُ الهمم، وتدلُّ على الطريق الى صنع غدٍ أفضل.
والدهشة الأولى ظلّت هي الدهشة. فعلى مر السنوات، ظلّ المعتركُ هو نفسه، وظلّ يُثمر، ثم يمضي قُدما. يُضيفُ عمرانا على عمرانه الأهم، ويشقُّ طرقا، ويخرجُ من صعوباتٍ، ويفتتح آفاقا جديدةً للمزيدِ من التنمية.
ما مِن بلدٍ نامٍ في عالمنا الراهن فعلَ ما فعلته تونس بامكانياتها المحدودة.
اذا كان للياسمين أن يصفع أحدا، فقد كان ذلك الاكتشافُ شيئا من صفع الياسمين: فالتخلفُ والفقرُ ليسا قَدرا عربيا. والدائرةُ ليست مغلقة!
ضع رأسك تحت سطحِ الماء بشبرٍ لترى مكمنَ السرِّ، وستجد نفسك تغرق في تاريخ من مساعي البناء والتجديد.
تونس هبةُ تاريخها. ذلك ما قلته يوما. انها هبةُ مشروعها الحضاري الذي اشتغل عليه الكثير من القادة العظام، وظلَّ متواصلا، على مدى القرون من حنبعل، الى خير الدين، الى بورقيبة، الى زين العابدين بن علي، ثم الى كل الذين سيحملون هذا التاريخ المشرق على أكتافهم ليسيروا بهذا البلد الى الأمام.
وهي هبةُ مفكريها الذين وضعوا الحجر الأساس لمشروعها التنويري والاصلاحي وأعادوا قراءة مرتكزات الحضارة والدين، ليجعلوا منهما حضارة ودينا ليس للماضي وحده بل للحاضر والمستقبل.
لا تنهضُ تونسُ من تجربةٍ «غير مُفكّر» فيها. ذلك هو الأساس. ثمة عقلٌ اجتماعي وراء المسألة. وهو الذي يصنعُ الدوافعَ.
هل تجدني بحاجة الى أن أقول، نعم، ثمة صعوبات، وثمة ما يحسنُ القيامَ به، وثمة..؟
نعم. تلك هي الحياةُ أصلا! وذلك هو لغزُ العمران أصلا! فأنت تبني، لتعود فتضع فوق الحجرِ حجرا.
المدينةُ الفاضلة ليست تلك التي تراها عامرةً، وخاليةً من كلِّ نقصٍ. انها رحلةُ الطريقِ اليها. انها ما يصنع الحكمة. ذلك هو المشروع. وتلك هي منارةُ الحكمة.
يوم كتب قسطنطين كفافي قصيدته العملاقة «ايثاكا»، فقد كان يعرف ان التاريخَ هو ليس ما تقرأه من ماضيك، بل هو ما تصنعه في الطريق الى غدك.
ويوم بدأ مهندسُ هذه التجربة العملاقة مشروعَه للبناء، فقد كان يبني ايثاكا أخرى، انما شديدة الواقعية. ولكن ليس من أجل الحكمة وحدها وانما من أجل حفظِ حياةٍ للملايين وللمضي بها قدما، بثراءٍ يتقاسمُ العمرانَ الاجتماعي كما يتقاسمُ الحكمة.
في الشعر تبني مدنا فاضلةً. أما في الحياة فأنت تذهب اليها ولا تصلها أبدا. ومدينتك دائما نصفُ فاضلة.
ولكنك ان لم تر الفضلَ في نصفها، فلن ترى نصفها الآخر بالوضوح الذي يتطلبه معترك التحديث، ولن يكون بوسعك أن تمضي اليه.
لقد أغرتني تونس لأجد نفسي متأملا في مشروعها للتحديث. وعادت «الشروق» لتنفخ في جمرةِ حبٍّ لم تخمد أبدا.
وتونس اذ تُغريك، فيحسن بك أن ترضى وتقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.