بطولة برلين المفتوحة (منافسات الزوجي): التونسية أنس جابر وشريكتها الاسبانية باولا بادوسا في الدور ربع النهائي    قبلي: مجهودات مشتركة للتوقي من افة "عنكبوت الغبار" بمختلف مناطق انتاج التمور    قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة    المكتبة الخضراء تفتح أبوابها من جديد يوم الأحد 22 جوان بحديقة البلفدير    الجزائر تؤكد دعمها لإيران وتدين "العدوان الإسرائيلي"    ملتقى تونس الدولي للبارا ألعاب القوى: العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    الكاف: تطوير القطاع الصحي بتدعيم طب الاختصاص وتوفير تجهيزات متطورة (المدير الجهوي للصحة)    تونس ترشّح صبري باش طبجي لقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية    عاجل/ الصين تدعو مواطنيها إلى مغادرة إيران في أسرع وقت..    عاجل/ بعد انذار بوجود قنبلة..طائرة تابعة لهذه الخطوط تغير مسارها..    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    عاجل : ''طيران الإمارات'' تمدد تعليق رحلاتها إلى 4 دول    بعد التهام 120 هكتارًا من الحبوب: السيطرة على حرائق باجة وتحذيرات للفلاحين    الحرس الثوري: استهدفنا مقر الموساد في تل أبيب وهو يحترق الآن (فيديو)    بشرى للمسافرين: أجهزة ذكية لمكافحة تزوير''البطاقة البرتقالية'' في المعابر مع الجزائر وليبيا    تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟    منوبة: الانطلاق في تزويد المناطق السقوية العمومية بمياه الري بعد تخصيص حصّة للموسم الصيفي ب7,3 مليون متر مكعب    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    افتتاح مركز موسمي للحماية المدنية بفرنانة تزامنا مع انطلاق موسم الحصاد    عبدالله العبيدي: إسرائيل تواجه خطر الانهيار وترامب يسارع لإنقاذها وسط تصاعد الصراع مع إيران    قائد عسكري إيراني: شرعنا باستخدام أسلحة جديدة ومتطورة    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود لفك الحصار على غزة..    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."    هيونداي 9 STARIA مقاعد .. تجربة فريدة من نوعها    بعد السقوط أمام فلامنجو... الترجي في مواجهة هذا الفريق بهذا الموعد    كأس العالم للأندية : برنامج مباريات اليوم الثلاثاء    لاتسيو الإيطالي يجدد عقد مهاجمه الإسباني بيدرو رودريغيز حتى 2026    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    الحماية المدنية : إطفاء 192 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    سر جديد في القهوة والأرز... مادة قد تحميك أكثر من الأدوية!    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    رونالدو يهدي ترامب قميصا يحمل 'رسالة خاصة'عن الحرب    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    ‌الجيش الإسرائيلي: قتلنا رئيس أركان الحرب الجديد في إيران علي شادماني    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جرّة قلم: يوم اختفى بدر الشرق
نشر في الشروق يوم 29 - 09 - 2010

سبتمبر شهر ليس ككل الشهور في شرقنا العربي.. انه أيلول.. فيه أيلول الأسود (1970) ومذبحة الفلسطينيين في الأردن.. وفيه اجتياح لبنان (1982) ومجزرة الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا بلبنان.. وفيه ضاعت أول وحدة عربية حديثة بين مصر وسوريا (1961).. وفيه فقدت الأمة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر(1970).. وتشاء الأقدار أن تكون وفاته في ذكرى انفصال سوريا (28 سبتمبر) وبعد وقف نزيف الدم الفلسطيني فوق الأرض الأردنية.. كانت أياما عصيبة وطويلة ورهيبة..التشرذم الفلسطيني أوصل الفصائل إلى تحدي سلطة الملك حسين في عاصمة ملكه ومدنه فرد بقسوة زادت عن الحد وكانت مجازر ايلول وخسر الطرفان وخسرت القضية والأمة وذلك فصل من تاريخنا ليس حديثنا اليوم عنه (وقد تناولته الشروق في وقته).. وليس انفصال سوريا وضرب الوحدة محل حديثنا أيضا في هذا الحيز.. فوقفتنا هذه مع ذكرى الرحيل يشدنا إليها الوجدان وواجب الوفاء لرجل عشنا معه أياما وأحلاما وآلاما لا يمكن أن تنسى.
عبد الناصر رحمه الله ملأ الكون وشغل الناس قرابة الثلاثة عقود. منهم، من عشيرته، من عاداه وظل على كرهه وله أسبابه وحججه، ومنهم من بكى منه في حياته فلما مات بكى عليه، ومنهم من ظل معه ووراءه حيا وميتا وقد خرجوا بالملايين يرفضون تنحيه بعد نكسة عام 1967 وخرجوا بالملايين يبكون فراقه من شرق الأرض العربية إلى غربها بل وأبعد من ذلك. لكن أعداءه من غير أبناء جلدته، وما أكثرهم، اشتركوا في شيئين اثنين: الاعتراف بقيادته وتأثيره، والتآمر على شخصه وعلى سياساته، من دون أن ندخل فيما أثاره مؤخرا محمد حسنين هيكل من اتهام السادات بدس السم إليه في قهوة.. ومن دون أن نخوض فيما انتهج هو نفسه من سيرة واختار من سبيل في طريقة الحكم ونمط المجتمع المصري الذي أراده.
عبد الناصر كان واحدا من أبناء هذه الأمة التي قيدتها عروش مستكينة وعواصم استعمارية لدى اغتصاب فلسطين حيث أراد أن يغادر الجيش الملكي الذي كان ضابطا فيه للانخراط مع المتطوعين العرب نصرة لفلسطين وشعبها ومثله فعل كثيرون، وما زالت في ذهني روايات عن الشهيد الهادي شاكر وهو يجمع المتطوعين في صفاقس وتونس. لكنه أي عبد الناصرلما علم بأن الملك فاروق سيرسل قوات مصرية ذهب ضمنها وقاتل (بأسلحة فاسدة) وحوصر في الفالوجا... وبسبب ما لمسه من تهاون وتآمر وفساد أسس تنظيم الضباط الوحدويين الأحرار الذي قام بالثورة في 23 جويلية/يوليو 1952.
بالنسبة الى جيلنا الذي عايشناه كان عبد الناصر رمزا ومنارة وقائد مسيرة امة.. ما بقي وسيبقى في ذاكرتنا كما هو في سجلات التاريخ انه الرجل الذي نجح بفضل ثورته التي جاءت بعد خمس سنوات من الاغتصاب في إزاحة آخر أحفاد أسرة محمد علي (فاروق) بما عرف عنها وزلزلة عرش اكبر دولة عربية ليعيدها إلى حضن أمتها والى موقعها الطبيعي في الأرض العربية بل والى الساحة الدولية من مؤتمر باندونغ عام 1955 (تونس كانت مشاركة فيه وهي على عتبة الاستقلال وتراس وفدها المرحوم صالح بن يوسف) والذي أسس لحركة عدم الانحياز إلى الإعلان بكل قوة عن وقوف مصر الثورة إلى جانب أشقائها وشعوب العالم الثالث المناهضين للاستعمار المكافحين من اجل الحرية.. وانه الرجل الذي واجه الاستعمار الانقليزي الحاقد حتى أجلاه عن ارض الكنانة (اتفاقية الجلاء أبرمت عام 1954 والجلاء تم عام 56).. وانه الزعيم الذي وقف بقوة وصلابة مع الثورة في الجزائر واليمن شماله وجنوبه وبقية الثورات في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.. وانه الرجل الذي أمم قناة السويس بعد الجلاء بأشهر قليلة ونجح في تحدي إدارتها بأيد مصرية وقهر العدوان الثلاثي الانقليزي /الفرنسي /الصهيوني (1956)... وانه رئيس الدولة الذي رفض الخضوع لشروط واشنطن ولندن وباريس فكسر احتكار السلاح واستورده من الشرق بعدما رفضوه من الغرب.. وتحدى ضغوطاتهم فبنى السد العالي.. وانه كان أول رئيس لأول وحدة عربية حديثة (بين مصر وسوريا 1958) رغم التآمر حتى إسقاطها بعد ثلاث سنوات وانه لم يرفض إعادة تجربة الوحدة مع سوريا والعراق في ظل عبد السلام عارف (1964)..
سنظل نذكر أن عبد الناصر إنما تحرك في عام 1967 ضد إسرائيل نصرة لسوريا التي كانت إسرائيل تستعد للعدوان عليها مثلما أكد له الروس (أثبتت الوثائق التاريخية انه لم يطلب سحب القوات الدولية من سيناء آنذاك ولم يكن في نيته دخول حرب لم يستعد لها بل كان تحركه للردع) وبالتالي أدركنا عامها وأدرك المصريون خاصة أن الرجل كان ضحية مؤامرة ولذلك زحفت الملايين على مقره ترفض تنحيه.. ولذلك أيضا كانت وقفة الزعماء العرب في قمة الخرطوم ترفع اللاءات الثلاث (لا صلح لا تفاوض لا استسلام)وتقدم الدعم للرجل حتى تستعيد مصر بالقوة ما أخذ منها بالقوة (وكانت تلك عبارته).. ولم يهنأ للراحل بال حتى أعاد بناء الجيش وشن حرب الاستنزاف وأعد القوة التي ثأرت للنكسة في حرب أكتوبر/رمضان 1973.
قبل ثلاثين سنة رحل عبد الناصر وسار في جنازته العشرات من زعماء العالم والملايين من أبناء مصر والجماهير العربية التي سارت إلى القاهرة ( ومات آخرون فسار وراءهم أنفار من بينهم ألد أعداء الأمة العربية).. مات عبد الناصر وهو لم يسترد الأرض بعد، ، لكن ما تجرأت إسرائيل وهو حي على ضم القدس(1980) أو الجولان (1981) أو احتلال جنوب لبنان (1978) أو احتلال بيروت (1982)، ولا حصل للكويت ما حصل عام 1990 ( حاول عبد الكريم قاسم في الستينات فعل ما فعله صدام لكن تحرك عبد الناصر آنذاك ومنع الغزو العراقي والتدخل الأجنبي)..
سال دم عبد الناصر على ارض فلسطين عندما كان في الثلاثين من عمره حيث جرح مرتين في «حرب الاغتصاب» ومات في الثانية والخمسين بعدما قضى أياما بلياليها يوصل الليل بالنهار حتى توقف نزيف الدم العربي الفلسطيني في الأردن.
«ارفع راسك يا أخي» صرخة هتف بها عبد الناصر فرفعنا الرؤوس عالية إلى أن أصبنا بالدوار عام 67 ثم رفعت منا الرؤوس ونحن نتابع ما جرى بعده بداية من النتائج «السياسية» للحرب التي خاضها الأبطال الذين أعدهم الراحل ليوم النزال وتحويل «لاءات» الخرطوم إلى لاءات لهذه اللاءات.
توارى بدر الشرق قبل ثلاثة عقود ونحن، الذين شدّنا بسحره وصدقه، نعرف الآن ما هي طبيعة الظلام الذي تلبد في شرقنا الحبيب.. لكن إيماننا أن ذلك إلى حين لأن هذه الأمة ولود ولن تكون عاقرا أبدا كما لن تموت ابدا شعارات هي الحقائق نفسها ومنها «الخائفون لا يصنعون الحرية..والمترددون لن تقوى ايديهم المرتعشة على البناء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.