الزّبلة والخرّوبة: شكون لازم يخلّص؟ وقدّاش؟    زيت الزيتون ب10 دنانير:فلاحو تونس غاضبون    النادي الإفريقي: 3 مباريات ودية في البرنامج    وفاة ممرضة أثناء مباشرة عملها بمستشفى الرديف...والأهالي ينفذون مسيرة غضب    تعرّف على عدد ساعات صيام رمضان 2026    عاجل: تهنئة المسيحيين بالكريسماس حلال ام حرام؟...الافتاء المصرية تحسُم    11 مليون عمرة في شهر واحد... أرقام قياسية من الحرمين    موسكو تدعو مواطنيها إلى الامتناع عن السفر إلى ألمانيا لهذه الأسباب    فضاء لبيع التمور من المنتج إلى المستهلك من 22 إلى 28 ديسمبر بهذه الجهة..#خبر_عاجل    ما ترميش قشور الموز: حيلة بسيطة تفوح دارك وتنفع نباتاتك    اسكندر القصري ينسحب من تدريب مستقبل قابس    عاجل: دخول جماهيري مجاني في مباريات كأس أمم إفريقيا 2025    مسؤولة بوزارة الشؤون الاجتماعية: نحو تعميم المنصة الرقمية لإسناد بطاقة اعاقة في غضون سنة 2026    بداية من اليوم..دخول فترة الليالي البيض..    أنشطة متنوعة خلال الدورة الأولى من تظاهرة "مهرجان الحكاية" بالمركب الثقافي بسيدي علي بن عون    التمديد في المعرض الفني المقام بالمعلم التاريخي "دار الباي" بسوسة الى غاية منتصف جانفي 2026    افتتاح الدورة 57 للمهرجان الدولي للصحراء بدوز    المعهد العالي للتصرف الصناعي بصفاقس أوّل مؤسسة جامعية عمومية في تونس تقوم بتركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية    الديوان الوطني للأعلاف يحدّد سعر بيع الذرة العلفية وإجراءات التزوّد    عاجل: قطيعة بين مستقبل قابس والمدرب إسكندر القصري    قفصة: حجز كميات من لحوم الدواجن في مخازن عشوائية قبل رأس السنة    موزّعو قوارير الغاز المنزلي بالجملة يعلّقون نشاطهم يومي 12 و13 جانفي 2026    وداعًا لأسطورة الكوميديا الأمريكية بات فين    رياضة : فخر الدين قلبي مدربا جديدا لجندوبة الرياضية    مع Moulin d'Or : قصّ ولصّق وشارك...1000 كادو يستناك!    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة: برنامج مباريات الجولة العاشرة    مدرب منتخب الكاميرون: "حققنا الفوز بفضل القوة الذهنية والانضباط التكتيكي"    عاجل: هذا ما تقرر في قضية المجمع الكيميائي التونسي..    صامويل تشوكويزي: كأس افريقيا يجب أن تحظى بنفس درجة إحترام كأس العالم    السجن لطالب بتهمة ترويج المخدرات بالوسط الجامعي..#خبر_عاجل    هذه أقوى عملة سنة 2025    كيفاش نقول للآخر ''هذا الّي قلّقني منّك'' من غير ما نتعاركوا    عاجل: عاصفة مطرية وثلوج تتجه نحو برشا دُول عربية    سهرة رأس العام 2026.. تفاصيل حفل إليسا وتامر حسني في هذه الدولة    صحفي قناة الحوار التونسي يوضح للمغاربة حقيقة تصريحاته السابقة    عاجل/ تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة..    بداية من من غدوة في اللّيل.. تقلبات جوية وبرد شديد في تونس    نانسي عجرم ووائل كفوري ونجوى كرم يحضروا سهرية رأس السنة    عاجل: تقلبات جوية مرتقبة بداية من هذا التاريخ    ينشط بين رواد والسيجومي: محاصرة بارون ترويج المخدرات    عاجل : اليوم نشر القائمة الاسمية لرخص'' التاكسي '' بأريانة بعد شهور انتظار    بداية من اليوم: تحويل حركة المرور في اتّجاه المروج والحمامات    النوبة القلبية في الصباح: علامات تحذيرية لازم ما تتجاهلهاش    عاجل: توافد حالات على قسم الإنعاش بسبب ال GRIPPE    ويتكوف يكشف موعد المرحلة الثانية من اتفاق غزة    رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    اليوم العالمي للغة العربية ... الاحتفاء بلغة الضاد ضرورة وطنية وقومية لحماية الهوية الثقافية    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    تزامنا مع العطلة: سلسلة الأنشطة الثقافية والترفيهية الموجهة لمختلف الفئات العمرية    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جرة قلم: سلام عليه... في ذكراه
نشر في الشروق يوم 30 - 09 - 2009

في تاريخ الأمم أيام لا يمكن ان تمحى من الذاكرة... وفي هذه الأيام أحداث يجرم من يحاول طمسها أمام الأجيال التي تصنع المستقبل وتجد في تاريخها ذخرا للدرس والإلهام والعبرة
28 سبتمبر.. لهذا اليوم في الذاكرة العربية محطات لا تمحوها صروف الدهر لأنها حفرت في الوجدان منها إطلاق الشهيد ياسر عرفات لانتفاضة الأقصى (2000).. ومنها فرار الصهاينة من بيروت التي احتلوها وهم يصرخون في مكبرات الصوت «لا تطلقوا النار علينا فنحن منسحبون» (28 سبتمبر 1982).. ومنها ما حدث عام 1961 حيث كانت جريمة انفصال سوريا عن مصر وفصم عرى وحدة لم تعمر أكثر من ثلاث سنوات.. كانت الجمهورية العربية المتحدة التي قامت عام 58 بارقة أمل لنا في ذلك الوقت لوحدة عربية كبرى.. كانت ردّا او جزءا من ردّ هذه الأمة على اغتصاب فلسطين قبل ذلك بعشر سنوات وعلى العدوان الثلاثي الفرنسي الانقليزي الصهيوني على مصر عام 56 وعلى التدخل العسكري المباشر في لبنان وعلى حلفي بغداد والمركزي اللذين قاما لتهديد كيان الوطن الكبير.. ومرّت تسع سنوات على الانفصال حصلت فيها أحداث جسام.. الثورة الفلسطينية الحديثة انطلقت عاصفتها في الأول مع جانفي 1965 تثخن في الكيان الغاصب.. واسرائيل شنت عدوانها في جوان 67 فاحتلت ما تبقى من فلسطين وسيناء المصرية والجولان السورية.. انها النكسة التي تحمل جمال عبد الناصر مسؤوليتها بشجاعة الرجال فاستقال لكن الجماهير الرافضة للتنحي والهزيمة تدفقت يومي 9 و10 جوان تملأ الشوارع والساحات ترفض التنحي وتهتف (حنحارب) حتى عاد عبد الناصر الى موقعه وبدا يعد العدة للثأر.. وكانت حرب الاستنزاف.. ولكن..
سبتمبر 1970 حدثت المأساة في الاردن.. الملك حسين حرك قواته المسلحة لإنهاء الوجود الفدائي الفلسطيني من الارض الاردنية مما يعني إغلاق اطول جبهة مواجهة مع العدو (اكثر من 600 كيلومتر).. وتحرّك عبد الناصر ليوقف النزيف وينقذ العمل الفدائي الذي وصفه بأنه انبل ظاهرة عربية في القرن العشرين.. دعا الى قمة عربية عاجلة في القاهرة وكانت أياما مضنية نجحت في وقف شلال الدم العربي على جبال عمان وفي شوارعها ومخيماتها.. وكان السيد الباهي الأدغم على رأس الوفد الذي انتقل الى العاصمة الاردنية لمتابعة تنفيذ المقررات ومنها اخرج الشهيد ياسر عرفات الذي كان محاصرا ومهددا في حياته.. وكان الفلسطينيون يعدون لاغتيال الملك حسين في المطار لدى عودته من القاهرة لكن عبد الناصر استطاع اقناعهم بالعدول عن ذلك.. كانت أياما مضنية لعبد الناصر الذي كان قد تعرض لأزمة قلبية قبل ذلك بعشر سنوات (1958) وتفاقم مرض السكري في جسده.. لكنه رفض التزام نصائح الاطباء بالركون الى الراحة التامة وتجنب الوقوف الطويل وأصر على ان يودع بنفسه القادة العرب وكان آخرهم أمير دولة الكويت... ودعه ضحى يوم 28 سبتمبر 1970 والألم يعتصره.. وما كاد يعود الى منزله بمنشية البكري حتى كانت الجلطة الثانية والنهائية... كان ذلك اليوم هو ايضا يوم 27 رجب. ونفذ قدر الله وعرجت روح عبد الناصر الى باريها في مساء اليوم نفسه... .كانت ساعات رهيبة عقبتها أيام رهيبة في الوطن العربي وفي العالم كله... بكته الجماهير بحرقة في كل مكان ونزلت الى الشوارع. ملتاعة في كل العواصم.. وانتشر نشيد واحد رددته الجماهير (يا جمال يا حبيب الملايين) ثلاثون رئيس دولة شاركوا في جنازة لم تشهد لها القاهرة مثيلا.. الرئيس القبرصي كادت الجموع تجرفه.. مائة وفد رسمي برئاسة رؤساء حكومات ووزراء خارجية جاؤوا من كل أنحاء الارض ورؤساء احزاب ومنظمات... حالات اغماء وإصابات ووفيات وحالات انتحار في مصر والوطن العربي.. الرئيس الأمريكي نيكسون الغى مناورات كان سيجريها الأسطول السادس في البحر المتوسط وقال «كان ناصر قائدا عاطفيا قادرا على الرؤية داخل قلوب شعبه وقد سبب موته نار الأسى» حاكم الشارقة أصيب بانهيار أثناء توجهه لتشييع الجنازة.. المذيعون والمذيعات العرب في جل المحطات بكوا وهم يذيعون النبأ.. الكاتب الأمريكي (سالسبرجر) اختار عنوان (آخر العمالقة) لكتاب ألفه عن عبد الناصر.. فقط مناحيم بيغن رئيس الحكومة الصهيوني (الذي كان بين قلة شيعت أنور السادات فيما بعد) شمت / وشماتته شهادة للراحل الكبير / حيث قال: «ان عبد الناصر كان أخطر اعداء اسرائيل. إن وفاة عبد الناصر تعني وفاة عدو مر... انه كان اخطر عدو لاسرائيل ولهذا السبب لا نستطيع ان نشارك في حديث النفاق الذي يملأ العالم كله عن ناصر وقدرته وحكمته وزعامته».. وهذا غيض من فيض رحل عبد الناصر يوم 28 سبتمبر 1970 .. لم يزد عمره عن اثنين وخمسين عاما لكنها كانت فترة عزة وكرامة وحرية ومقاومة.. كان رمزا لحقبة.. رحل لكنه بقي في الوجدان وفي الذاكرة.. رحل أبو خالد وبقيت أعماله وشعاراته خالدة... ألم تكن مقولته (ما أخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة) مكتوبة على الجدار الذي قتل الصهاينة تحته الصبي محمد الدرة؟
أنشد نزار قباني في رحيل ناصر: «نزلت علينا كتابا جميلا.. ولكننا لا نجيد القراءة.. وسافرت فينا لأرض البراءة..ولكننا ما قبلنا الرحيلا..» غاب عبد الناصر لكن القادة الكبار لا يغيبون عن الوجدان.. ولا تضيع الذاكرة الشهداء والأبطال.. فتحية له في ذكراه.. وسلام عليه في محياه وفي مماته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.