من المؤكد أن الخوف من مواجهة مشكل الاندماج في الوسط الجامعي يتشارك فيه عدد من الطلبة الجدد وخاصة أولئك الذين قدموا من المناطق الداخلية ومن القرى والأرياف ولعل هذا الخوف يصبح مرفوقا بنوع من الحيرة والقلق والمعاناة النفسية المتأتية من رغبة الطلبة في التغلّب على المشكل بعد انطلاق السنة الجامعية كما هو الحال الآن. وقد حاولت العديد من الدراسات النفسية تحليل هذا المشكل والتعرف على أسبابه ومحاولة حلّه منها الدراسة التالية التي يقول كاتبها: إن مرحلة الشباب مرحلة مهمة وحساسة من مراحل حياة الانسان بالنظر الى ما تشهده شخصيته خلالها من تغيّرات ونمو، لذا فلا عجب في أن تكثر الدراسات حول هذه المرحلة. وبما أن دخول الشباب الى الجامعة هو عنوان انطلاق مرحلة جديدة في حياتهم ومختلفة نوعا ما عمّا سبقها حيث تقوم فكرة الجامعة كما يقول بال وهثزر على تجميع الطلبة والأساتذة من كافة التخصّصات في معهد واحد أو جامعة واحدة من أجل توسيع المدارك والمساعدة في فهم القيم المتبادلة. مشكل الاندماج ومما لا شكّ فيه أن دخول الشاب الى عالم المجتمع الجامعي يطرح عليه بشدة مشكلة الاندماج في هذا المجتمع، والتفاعل معه، وفي هذا الصدد أشار إيركسون (Erickson) وولمان (Wool man) الى الاندماج على أنه عبارة عن علاقة تكيّفية مع البيئة، ويتضمن القدرة على تلبية الفرد لاحتياجاته، وتلبية معظم المتطلبات الاجتماعية منها والفسيولوجية. والواقع هو أن الجامعة كمجتمع صغير يعيش فيه الطالب تؤدي دورا كبيرا في حياته، حيث تعده لوظيفة إنتاجية، وتساعده على النمو بأشكاله الفسيولوجية، والنفسية والاجتماعية حسب ما أشارت إليه الدراسات النفسية والتربوية. مشكل التوافق وتشير مشاهدات وملاحظات كثيرة الى أن الشباب الجامعي يواجه مشكلة التوافق بحدة في الجامعة حيث تتسم العلاقات في الجامعة بطابع لا شخصي (impersonal) وحيث تتفاعل جماعات كبيرة من الطلاب والطالبات بلا عمق، ولا استمرارية ولا مرعاة لظروف كل الأشخاص. وفي الواقع ان توافق الطلبة مع بيئتهم الجامعية يتطلب منهم تعديلا في أساليبهم واستراتيجياتهم، ومهاراتهم من أجل النجاح والإنجاز. ومن خلال استعراض نظريات التوافق الاجتماعي نلاحظ أنها نظرت الى التوافق من زوايا عديدة: فنظرية التحليل النفسي رأت أن التوافق يتم من خلال إشباع الحاجات وتعلم كيفية التعامل مع الصراعات الداخلية، ونظرية التعلم الاجتماعي فهمت التوافق السوي من خلال مهارة الفرد في التفاعل بنجاح مع بيئته، والنظرية الانسانية فسّرت التوافق طبقا لاتجاهات النمو عند الأفراد كعملية مستمرة. أما النظريتان المعرفية والسلوكية فلم تعرفا موضوع التوافق مباشرة، ولكن الأولى رأت أن التوافق عند الأفراد يعني التفكير بطريقة منطقية، في حين رأت الثانية أن السلوك ما هو إلا مصلحة للتعليم السوي. وقد فسّر بعض خبراء علم النفس وعلوم التربية التوافق بأنه عملية إشباع للحاجات النفسية والاجتماعية، ولا يتكفل الشخص بتنظيم إشباع حاجاته فحسب، بل هو قد يتعرض لصراع بين هذه الحاجات. وفي هذه الحالة تنشأ مشكلات التوافق لديه ويصبح عليه أن يحل هذا الصراع، وأن يتعلم كيف يواجه المواقف التي تتصارع فيها حاجاته كلما تعرض لمثل هذه المواقف وصراع الحاجات النفسية ينشأ إذا تعارض إشباع حاجة مع إشباع حاجة أخرى، بحيث يؤدي إشباع الحاجة الأولى الى إحباط الحاجة الثانية ولتوضيح عملية التوافق النفسي ننظر إليها من ناحيتين: أولا: التوافق من حيث هو عملية سلوكية تؤدي الى التكيّف، فالشخص وهو يسير نحو تحقيق التوافق يسلك سلوكا معينا، يواجه به حاجاته الداخلية، وحاجاته الخارجية، ويقضي به على تصارع هذه الحاجات إذا نشأ هذا التصارع. والعملية السلوكية التي يقوم بها الشخص في مواجهة هذه الحاجات، وفي مواجهة تصارعها، هي العملية التي تحقق له التوافق النفسي في النهاية. ثانيا: التوافق من حيث هو تحصيل أو إنجاز، أي أن الشخص يتعلّمه، بمعنى أنه يتعلّم منذ طفولته طرقا معينة للاستجابة في مواقف معينة، ويكون توافقه هو حصيلة هذا التعلم فإذا تعلم طرقا سليمة فيكون حسن التوافق، وإذا تعلم طرقا غير سليمة فيكون سيّئ التوافق. التفاعل الاجتماعي لقد اهتمّ العلماء كثيرا بالتفاعل الاجتماعي بين الأفراد والذي يعتبره أغلبهم لبّ التوافق، واعتبروه كما فعل كيرت ليفين (Kart Levin) أساسا للجماعة، كما أشاروا الى أن تعديلا ينجم عن هذا التفاعل الذي يحدث عندما يتصل فردان أو أكثر (ليس من الضروري أن يكون اتصالا ماديا) ولعلّ من الأهمية بمكان أن نسجل هنا أن عمليات التفاعل الاجتماعي تشمل التعاون والتنافس، والصراع والمواءمة. والتفاعل الاجتماعي هو أهم عناصر العلاقات الاجتماعية. وهنا تأتي الثقافة التي يعيش فيها الفرد والجماعة لتلوّن بخط التفاعل الاجتماعي، ومن وجهة نظر أخرى فإننا نكون أكثر دقّة لو وضعنا في حسابنا مفهوم التفاعل الاجتماعي الثقافي. ومن هذا المنطلق لا يمكن دراسة ظاهرة تكيّف طلبة الجامعات على وجه الخصوص بمعزل عن تفاعلهم مع جو الجامعة التي يدرسون فيها. وقد تأكد ن التوافق الدراسي لطلبة الجامعات ينطوي على القدرة على إقامة علاقات اجتماعية مثمرة مع الآخرين، وعلى القدرة على التكيف مع العمل المنتج الفعال، واستثمار الطاقات الشخصية استثمارا يتّسم بالكفاية يجعل الفرد شخصا نافعا في محيطه الاجتماعي. وهو التوافق مع المجتمع الجامعي الى درجة رضا الطالب الجامعي عن العلاقات الاجتماعية والعوامل النفسية والدراسية وعوامل الضبط التي يتعرض لها داخل إطار الجامعة. وبناء على ما سبق ذكره تتضح أهمية دراسة التوافق للطالب الجامعي من خلال فهم سياق تفاعله مع الاطار الاجتماعي الثقافي للجامعة التي يدرس فيها، وإذا كانت دراسة توافق الطالب الجامعي والمشكلات التي يواجهها لا تصبح ذات معنى إلا إذا درس الجو الاجتماعي والثقافي للجامعة، فإن هذا الجو يصبح ذا أهمية أكبر بكثير إذا كان الطالب آتيا من بيئة تختلف عن بيئة الجامعة التي يدرس فيها في كل النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وهذا الجو قد يخلق مشكلات أكثر عددا وأشدّ تعقيدا.