ليس غريبا ان تطلب حكومة الصهاينة من المفاوض الفلسطيني الاعتراف بما سمته «يهودية الكيان العبري» وليس مقابل دولة فلسطينية بل مقابل تجميد بناء المستوطنات ..فبمتابعة مسار المفاوضات منذ انطلاقها قبل حوالي عشرين سنة والصهاينة يجادلون ويماطلون وينزلون بسقف الحقوق الفلسطينية الى اسفل الدركات مطمئنين الى الالغاء «الرسمي» للمقاومة واختيار فلسطيني السلطة وعرب «الدعم» لنهج «السلام» أولا وأخيرا مضافا اليه الانقسام المخزي بين جناحي السلطة في غزة ورام الله.. وتفصيل هذا المسار طويل. و«يهودية» الدولة كما طلبتها تل ابيب تحاول تمريره عبر ما اسمته «قسم الولاء» لكنه في الواقع هدف صهيوني عتيق بل واحد من اهداف الحركة الصهيونية منذ مؤتمر (بال) في سويسرا نهاية القرن التاسع عشر ولا يخرج كثيرا عن المشروع الاستعماري الانقليزي الداعي الى فرض تقسيم للمنطقة العربية على أساس مذهبي: مسيحيون، سنة ، شيعة، أكراد، أقباط ، يهود الخ... وقد حاول الصهاينة دسه في وثيقة الاعتراف بالكيان الغاصب الذي قدم الى الرئيس الأمريكي ترومان في عام 1948 بعد تمرير قرار التقسيم.. لكن ترومان شطب بخط يده عبارة «دولة يهودية» وكتب محلها «دولة اسرائيل الجديدة».. وقد اعتمد برلمانهم (الكنيست) في عام 2003 قانونا يستهدف تعميق فكرة يهودية الدولة في العالم استعدادا للمرور من الاعتراف بهذه «الدولة» الى الاعتراف ب«يهوديتها» حتى يتسنى المرور الى تحقيق الاهداف الاخرى من المشروع الصهيوني ذلك ان الصهاينة وبالرغم مما حققوه من مكاسب على حساب الحق الفلسطيني والعربي ستظل تحكمهم عدة هواجس.. منها ان الفلسطينيين الذين تمسكوا بارضهم عند الاغتصاب وبعده واصبحوا اليوم زهاء مليون ونصف مليون مواطن سيظلون شاهدا حيا على ان الارض الفلسطينية لها شعب وليست «أرضا بلا شعب» كما يروج الصهاينة.. ومنها انهم يريدون ان يقنعوا العالم بان فلسطين هي أرضهم «التاريخية» وعدوانهم لاغتصابها عام 48 و49 انما كان حركة تحرير او حرب تحرير وبالتالي فمقاومتها هي عدوان وارهاب ..ومن هواجسهم ايضا انهم فشلوا حتى الان في جمع يهود العالم في «أرض الميعاد» ولم يجتذبوا منهم الا حوالي 40 في المائة (العدد الجملي ليهود العالم 13 مليون) فعددهم حاليا في فلسطين خمسة ملايين ونصف منهم 24 بالمائة فقط من يهود (الصبرا) أي اليهود اصيلي فلسطين والباقون من المهاجرين اليها من شرق (سافارديم) ومن غرب (اشكيناز).وما زال هناك مثل هذا العدد أي خمسة ملايين ونصف في أمريكا وأكثر من نصف مليون في فرنسا و400 ألف في روسيا و 360 ألف في كندا و280 ألف في أوكرانيا و280 ألف في بريطانيا و220 ألف في الارجنتين.. ويهود أمريكا انفسهم سائرون الى كسر قاعدة «نقاء» العنصر اليهودي حيث سجلت الاحصائيات ما بين 50 إلى 80٪ من الزيجات المختلطة فيما تعتبر شريعتهم الا يهودي الا من كانت أمه يهودية. هذا الطلب الصهيوني القديم/الجديد يأتي خطوة على طريق تنفيذ مرحلة اخرى من المشروع الصهيوني هي (الترانسفير) أي نقل عرب فلسطين الى الدول العربية وقد جدد اسحاق شاميرالدعوة لذلك عام 1991 في مؤتمر مدريد عندما قال ان مساحة الارض العربية تزيد على 14 مليون كلمتر مربع وهي كافية لاستقبال الفلسطينيين كافة واكثر.. وحتى لو قبل فلسطينيو الداخل «قسم الولاء» للكيان العبري تنفيذا للقانون الذي أقره الكنيست فان ذلك لن يكون كافيا اذا كانت الدولة يهودية أي لا تقبل فيها الا من كان يهوديا او اعتنق اليهودية من غير العرب...كما ان «يهودية» الدولة تعني الغاء حق العودة المكفول لللاجئين بموجب القرار الدولي رقم 194 وهو حق يبدو من مسار التنازلات التفاوضية انه قد ارتد الى ذيل القائمة في المطالب الفلسطينية «السلمية». ليس غريبا ان يواصل الصهاينة تنفيذ مشاريعهم والعمل على فرضها على العالم اولا (أوباما ومن قبله بوش تحدثا فعلا عن يهودية اسرائيل) لكن الغريب ان يشير مسؤول فلسطيني كبير ولو من بعيد الى امكانية قبول بحث ذلك (اذا ما رسمت اسرائيل حدودها الجغرافية)؟؟ وما قلناه يعرفه الجميع وتحدث عنه الجميع.. ويدرك المفاوضون قبلنا ان اسرائيل لم تتوقف يوما عن تنفيذ المشروع الصهيوني مهما زعموا من خلافات بينهم هدفها الاول والاخير هو اسقاط حكومة وقيام أخرى.. ونحن بانتظار اليوم الذي يدرك فيه الفلسطينيون كافة ممن زعموا ان لهم سلطة في غزة ورام الله ان سبيلهم الى استرداد الحق السليب لن يكون عبر مجادلة الصهاينة وهم الذين جادلوا أنبياءهم ووصلوا إلى حد الزعم بأن سيدنا إبراهيم عليه السلام يهودي في حين انزلت التوراة من بعده مثلما رد عليهم رب العزة في محكم كتابه الكريم.. لقد اثبت التاريخ واثبتت الاحداث قديمها وحديثها ان هؤلاء القوم لا يفهمون الا لغة واحدة هي لغة المقاومة ايا كانت وسيلتها فمن تعب منها اليوم فليترك للاجيال هذه المهمة وليتق الله في شعبه وأمته وتاريخها فشعب فلسطين في رباط.. وأمته ما ذلت وان ضعفت أو زلت.