* من مبعوثتنا الخاصة الى قطاع غزة، فاطمة بن ضو ونيس لأن الحلم مشروع ولأنه لولا بارقة الأمل لأصبحت الدنيا جحيما لا يطاق حلمنا أن تطأ أقدامنا تراب غزة الذي طالما ارتوى ولا يزال من دماء الشهداء. كنا مئات من المتضامنين جمعتنا الانسانية وحب نحمله لفلسطين فجأة وبعدما أوشك اليأس أن يقتل الحلم فينا وبعد اسابيع قضيناها باللاذقية في انتظار معجزة الهية من شأنها أن تزحزح ولو قليلا عجلة الديبلوماسية... حدثت المعجزة لحظات رهيبة كانت عند دخول قافلة «شريان الحياة 5» التراب الفلسطيني يا إلهي... انها غزة. كانت الساعة تشير الى حدود العاشرة عندما هبطت الطائرة في مطار العريش العسكري كان المشاركون في «شريان الحياة 5» لا يزالون يسترجعون حرارة وداع أهالي اللاذقية لهم ودموع فلسطينيي «مخيم العائدين» وهم يودعون القافلة ويحملونها سلامهم الى غزة وأهاليها فجأة استفاق الجميع على صوت أعوان المطار وهم يرددون «جوازات السفر من فضلكم»، تركنا جوازاتنا ودخلنا القاعة الوحيدة للمطار لتبدأ بعد ذلك عملية التفتيش مرت الساعات بعد ذلك بطيئة كنا بانتظار أن تتأكد السلطات المصرية من هوياتنا وكان أغلبنا في حالة قريبة من الموت السريري بعد يوم حافل بالاجراءات والدموع ساعات «قليلة» وابتدأ الأعوان في المناداة على المتضامنين واحدا بعد آخر في حين تكفل أحد المسؤولين المصريين باعلام أفراد القافلة أنه تقرر ارسال جميع المشاركين الى فندق واحد وانه على كل مشارك دفع 50 دولارا نظيرا لذلك. تعالي أصوات الاحتجاج لم يمنع سلطات المطار من وضعنا في حافلات بعد الاحتفاظ بجوازات سفرنا وايصالنا الى الفندق تحت حراسة أمنية تليق بمواكب رؤساء الدول. حالة من الغضب عمت الجميع خاصة بعد أن أغلق أعوان الأمن أبواب الفندق في وجه المتضامنين الذين أرادوا المغادرة تعبيرا عن رفضهم للطريقة التي أجبروا بها على المجيء عدد من أفراد القافلة اعتصموا ببهو الفندق رافضين الصعود الى غرف فرضت عليهم فرضا معتبرين أنهم شبه رهائن خصوصا بعد أخذ جوازات سفرهم واجبارهم على الاقامة في فندق من فئة خمس نجوم يعد غير مناسب ولا لائق لمتضامنين مع شعب يشكو الحصار والتجويع. أخيرا وبعد محاولات من قيادة القافلة لتهدئة الاجواء قرر الجميع الانصياع للأمر الواقع على أمل أن تقع في مقابل ذلك عملية تسهيل خروجنا من العريش نحو رفح وهو ما تم فعلا في الغد حيث لم تستغرق اجراءات خروجنا من ميناء العريش بعد استرجاعنا لسياراتنا التي وصلت بالباخرة سوى ساعتين اثنتين. وانطلق بذلك موكب قافلة «شريان الحياة 5» من العريش الى رفح معززا بكل قوات الأمن والمخابرات وفرق التدخل. الطريق كان شبه خال رغم وجود مساكن على الجانبين والمصريون الذين وقفوا بالشارع لمشاهدة مرور الموكب كانوا يعدون على الأصابع لكن حالة الفرح الطفولي التي انتابتنا جميعا ونحن نطوي الطريق نحو غزة لم تترك لنا مجالا حتى للتذمر من سيارات الأمن المدججة بالأعوان المسلحين التي كانت تحاصرنا من كل جانب... وكأن كل شيء لم يعد مهما المهم أننا على طريق غزة. مرحبا بكم في فلسطين فجأة وفي لحظة كما الحلم لاحت كلمة فلسطين كنا عبرنا رفح المصرية واتممنا الاجراءات واقتربنا من بوابة كبرى كتب عليها «مرحبا بكم في فلسطين». الجميع لم يكن مصدقا... تعالت الهتافات بكل اللغات... كان المشهد خياليا... عند نزولنا من السيارات وملامسة اقدامنا لتراب غزة كنا شبه مصدومين... انهمرت الدموع وسجد الجميع على الأرض في لحظة من التوحد مع المكان من أروع ما يكون. أول وجه لمحته من وراء الدموع كان وجه عبد الرحمان، الصيدلي الاردني الذي كنت معه بالسيارة طيلة الرحلة من العريش الى رفح. كان يبكي بحرقة من النعي بعزيز بعد فراق سنوات سألني وهو غير مصدق «هل وصلنا فعلا؟ هل نحن في غزة؟»، لم أستطع أن أجيبه أنا أيضا لم أكن متأكدة ان كنت في غزة حقا أو في حلم قد استفيق منه في أية لحظة، أول غزاوية اعترضتني كانت تدعى آلاء، احتضنتني مرحبة وهي تردد «أهلا بك مع أهلك... أهلا بك في بلدك». كان استقبالا رائعا امتزج فيه الغزاوي مع التونسي والاردني والاسترالي والماليزي وكل الجنسيات زالت الحدود فجأة ليتوحد كل العالم فداء لصمود غزة كانت معنا فتاة ايطالية تدعى أدريانا ما لبثت أن صعدت فوق احدى سيارات القافلة وهي تحمل علم فلسطين وتصرخ مرددة «فيفا بالستينا» بكل ما اوتيت من قوة. قرابة الخمسة وثلاثين كلم كانت تفصل المعبر عن مدينة غزة طوال ال35 كلم كان الفلسطينيون يملؤون جانبي الطريق مرحبين بموكب القافلة، أحد الشباب الغزاوي قال لي ان هؤلاء الفلسطينيين كانوا في انتظارنا في الطريق منذ ساعات وأن كل الجوامع كانت تكبر لحظة وصولنا أطفال ونساء وشيوخ خرجوا من بيوتهم ليتأكدوا أن غزة لم ولن تكون وحدها . تذكرت في هذه اللحظة كل متساكني مخيم العائدين باللاذقية الذين حملونا سلامهم الى ارضهم كما تذكرت أم محمد هذه العجوز الفلسطينية التي قابلتها منذ أشهر بمخيم صبرا وشاتيلا بلبنان والتي ترجتني وهي تبكي أن أوصل سلامها الى كل فلسطين تمنيت أن أقول لها انني قبلت تراب غزة مكانها وأن الفلسطينيين صامدون رغم الحصار. تمنيت أن أقول لها انني الآن فقط فهمت حرقتها... الآن فقط وقد وطأت قدماي هذه الأرض. ما أجمل هذه الأرض... انها فلسطين...