كمال العلاوي هو أحد الأسماء الهامة في المشهد المسرحي التونسي، مثّل وأخرج وكتب للمسرح، أدار فرقا مسرحية محترفة وفاز على عديد الجوائز، وهو من القلائل الذين نالهم شرف افتتاح مهرجان قرطاج الدولي بأكثر من عمل... أعمال كثيرة قدمها كمال العلاوي ستبقى راسخة في الذاكرة وعلامات مضيئة في تاريخ المسرح التونسي... «أنا فاوست آخر» و«الكترا الجديدة» و«المحارب البربري» و«فرحات ولد الكاهية» و«قمرية»... كلها مسرحيات تشهد بكفاءة الرجل وقيمته الفنية... كمال العلاوي يتحدث اليوم عن مشواره الفني وعن نجاحاته وهواجسه وأحلامه... حاوره المنصف بن عمر كيف بدأت قصتك مع الفن الرابع؟ البداية كانت في سوسة، فقد كان المسرح البلدي بسوسة يعرض أفلاما ومسرحيات وكنت من الشغوفين بمتابعة تلك العروض التونسية والاجنبية وكانت تشدني بالخصوص المسرحيات الكلاسيكية الاجنبية التي أجد فيها متعة كبيرة، كما كنت انشط ضمن نوادي السينما وأتابع المحاضرات التي كانت تنظم بالمكتبة والمعارض التي تقيمها البلدية، هذه المتابعات جعلتني أميل الى الفنون وعلى الرغم من أنني كنت موهوبا في الرسم الا أن المسرح هو الذي استقطبني... هل تذكر أول خطوة في هذا المجال؟ طبعا، فقد بعث المرحوم محمد الزرقاطي فرقة مسرحية للهواة بسوسة، وسمعت أنه يبحث عن شاب للقيام بدور فذهبت لكن سبقني شاب آخر وتحصل على الدور، لكن الزرقاطي طلب مني ان انضم الى الفرقة وأسند لي دور «صغير» في مسرحية «السلطان الحائر» وفي مسرحية «شمس النهار»، ثم أخذت دورا هاما في مسرحية ثالثة بعنوان «موتى بلا قبور». ألم تدرس المسرح؟ بعد تجربتي في هذه الفرقة انضممت الى مركز الفنون الدرامية، وذلك بتدخل من الممثل عمر زويتن الذين كان صديقا لشقيقي، تقدمت للاختبار ونجحت كان ذلك عام 1968، وبعد أربع سنوات من الدراسة تخرجت وكان من دفعني علي بوستة وآمال البكوش وبلحسن خضر والزين ثابت... وهل اشتغلت مباشرة بعد التخرج؟ لا، قمت بتربص في فرنسا صحبة عبد القادر مقداد وعبد الرحيم اليانقي وآمال البكوش ودام ثلاثة أشهر وكانت فترة كافية لأكتشف واطلع على تجارب مسرحية مهمة وخاصة منها تجربة المسرح الاحتفالي لفرقة «ماجيك سيركوس»، وقد أبهرني هذا النوع من المسرح. وبعد العودة من فرنسا ماذا حدث؟ تم تعييني للتدريس بأحد المعاهد بالكاف كان ذلك عام 1972 وتم تعييني بمركز التكوين المهني، هناك كانت أولى تجاربي المسرحية، حيث قدمت مع التلاميذ مسرحية بعنوان «الرأس» وكان عرضا احتفاليا وفرجويا حول الميز العنصري والطريف ان هذا العمل تم انجازه مرة أخرى من قبل الحداد بوعلاق ومرة ثالثة بامضاء رشيد يدعس وقد تحصلت المسرحية على جوائز. أول مسرحية شاركت فيها ضمن اطار الاحتراف؟ شاركت في مسرحية «الحلاج» للمنصف السويسي، في البداية كان دوري فيها هامشيا لكن بعد ان اخفق ممثل في آداء شخصية رئيسية أسند لي السويسي هذا الدور، والطريف وجدت نفسي أقدم في هذا العمل تسع شخصيات. وهل دامت تجربتك طويلا في الكاف؟ قدمت العديد من المسرحيات منها «الزنج» و«راشومون» و«أليف لا شيء عليه» و«مكبث» و«شبروش» و«عطشان يا صبايا»... أدرت أيضا فرقة الكاف؟ نعم، بعد خروج المنصف السويسي كلفني الأستاذ عبد الرؤوف الباسطي الذي كان مديرا لادارة المسرح بالاشراف على حظوظ فرقة الكاف. هنا كان التحول في مشوارك؟ نعم لكن التحول الحقيقي في مسيرتي كان مع اختياري لافتتاح مهرجان قرطاج الدولي بمسرحية «أنا فاوست آخر» وهو أول عمل مسرحي محترف من اخراجي... قدمت في الكاف العديد من المسرحيات؟ نعم تجربتي في الكاف كانت ثرية جدا، فبعد «فاوست» قدمت «إلكترا الجديدة» تأليف حسن حمادة، تم «المحارب البربري» تأليف البشير القهواجي، ثم «فرحات ولد الكاهية»... هذا العمل الأخير كان علامة فارقة في حياتك الفنية؟ هذا صحيح، فقد كانت فرصتي الثانية لافتتاح مهرجان قرطاج المسرحية. برأيك لماذا نجح هذا العمل ذلك النجاح الباهر وقتها؟ لأنه انطلق من فكرة عميقة وهي كيف يمكن الانطلاق بعمل موغل في المحلية لبلوغ العالمية، لقد وظفنا فيه التراث توظيفا محكما وعميقا يقطع مع النظرة الفلكلورية. متى غادرت الكاف؟ عام 1980 أي بعد ثماني سنوات من العمل، ورحت أفتش عن أشكال أخرى للعمل المسرحي هيكليا وتنظيميا، تسكعت بين تونس ونابل وسوسة... في سوسة قدمت عملا مرجعيا في المسرح التونسي؟ تقصد مسرحية «قمرية» شخصيا اعتبرها تجربة متميزة جدا وتحول مهم في تجربتي، فقد عوضت في هذا العمل ضخامة ما كان متوفر لدي في الكاف بعنصر السرد أي الحكواتي، وقد حازت هذه المسرحية كل الجوائز عام 1982 ضمن أسبوع المسرح التونسي، جائزة أفضل عمل متكامل، وجائزة الاخراج وجائزة أفضل ممثلة... لكن عدت بعدها للادارة؟ نعم ادرت الفرقة الجهوية بصفاقس التي انجزت في اطارها مسرحية «امرؤ القيس في باريس» وهي مسرحية مظلومة... ماذا تقصد بمظلومة؟ نعم هي كذلك، لقد قمنا فيها بجهد كبير لكنها تعرضت الى مؤامرة عندما قدمت في اطار أيام قرطاج المسرحية، لقد غيروا الاضاءة بعد ان ضبطناها وخرجنا لتناول العشاء وعندما انطلق العرض تفطنا الى أن أحدهم غير كل الاضاءة... وحدثت الكارثة... وكيف تجاوزت هذه الكارثة؟ لقد اعدنا تقديم المسرحية في صفاقس أمام والي الجهة الذي كان غاضبا بعد ان وصلته أصداء العرض في تونس لكن عندما شاهد العرض عبر لنا عن اعجابه بالعمل... بعد ذلك انجزت مسرحية «الأم شجاعة» ومن خلالها تمت المصالحة مع الجمهور والنقاد هذه المسرحية انقذتني. آخر محطة لك ضمن الفرق المسرحية الجهوية؟ كانت في المهدية وقدمت عدة مسرحيات منها «الحصالة» و«أرصفة» و«المعصرة» وهذه الأخيرة منعت وقتها بعد أربعة عروض... على ذكر المنع هل منعت لك مسرحيات أخرى؟ نعم في الكاف منعت لي مسرحية «ملا نهار» بعد تقديم عشرة عروض وأيضا منعت لي مسرحية «حديقة الحيوانات» والغريب ان هذه المسرحية الأخيرة منعت بعد ان قدمناها في 27 مناسبة. بعد المهدية أين عملت؟ قدمت مسرحية «المنفي» ضمن المسرح الوطني التونسي وكانت تجربة في ظروف خاصة جدا... لأنه كان لي موقف من المسرح الوطني... كنت تعتبر ان هذا الهيكل سيقوم على اشلاء الفرق الجهوية؟ صحيح كان هذا موقفي وهل مازلت تؤمن بذلك؟ لقد انقرضت الفرق الجهوية بسبب قيام المسرح الوطني وأشياء أخرى، فقد كان لهذا الهيكل كل الامكانات في حين ان الفرق الجهوية كانت تفتقر الى الامكانات وكانت تدار بطريقة سيئة... وهل تعتبر ان مراكز الفنون الدرامية استطاعت سد الفراغ الذي تركته الفرق القارة؟ نعم المراكز تقوم بدور هام اليوم لكن عليها ان تستقطب أبناء الجهة للمحافظة على خصوصيات المنطقة فالخصوصية هي الباب الى العالمية. كمال العلاوي في أي مرحلة هو اليوم؟ هو في مرحلة الحرفي لأنني أعمل مع أكثر من جهة وحسب الطلب، لكن عندما أنجز أعمالا في اطار شركتي أعود الى المبدع. هذا انفصام في الشخصية؟ لا، ليس انفصاما لكن الشركات المسرحية الأخرى تبحث عن الجانب التجاري... هذه الشركات يعتبرها البعض ظاهرة مرضية؟ لا ليست ظاهرة مرضية لكنها في مرحلة انتقالية وهذا ينسحب على المسرح العالمي، وهذا نتيجة تأثير العولمة، اليوم نعيش الفضاء المفتوح اعلاميا وثقافيا، لذلك أقول ان المحافظة على الهوية وخصوصية ثقافتنا هو مصدر قوتنا، نحن مطالبون اليوم بتصدير ثقافتنا وهذا يتطلب منا انجاز أعمال ابداعية جديرة بالتصدير. هل حققت كل أحلامك؟ ليس بعد أحلامي نائمة على الرفوف.