استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    حركة النهضة تصدر بيان هام..    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجمعيات المسرحية ومعوقات التجاوز
نشر في الشروق يوم 19 - 11 - 2009


الى روح المبدع أبدا سمير العيادي،
تونس، نوفمبر 2009
مائوية المسرح التونسي
أيام قرطاج المسرحية
تبدأ الحكاية دائما، كان يا ما كان
في يوم ما وبعد أن اتخذ سمير العيادي قراره الحاسم بمغادرتنا، سألني أحدهم ممن أنكروا عليه صفة المبدع، ما دخلك؟ ما علاقتك بسمير العيادي، سوى تلك العلاقة العشائرية والقبلية والجهوية؟!!!
هكذا يتصوّر البعض العلاقات الإبداعية بل هكذا يرغبون في أن تكون!!!
وإن كنت أستهجن هذا السؤال وهذا الموقف، فإنه دعاني الى قراءة علاقتي بالمبدع سمير العيادي.
أولا، أعترف بأنه لا علاقة مميزة تربطني به، ولم يكن في يوم ما من أعز أصدقائي، ولم أكن أجالسه في المقاهي المعتادة، ولم أشتغل على أي نص من نصوصه، بل كنت من المشاغبين ومصدر إزعاج بالنسبة له، خصوصا في مرحلة إشرافه على دار الثقافة ابن خلدون أو أثناء إدارته لندوات فكرية ومسرحية.
هذه العلاقة سمحت لي بطريقة غير مباشرة من الاقتراب من سمير العيادي الإنسان، فهو شخص يؤمن بحق الاختلاف وفتح فضاءات الحوار، وهو الذي مكن جيل من الشباب من آليات المعرفة، هكذا عرفت سمير العيادي، عرفته من خلال حركة الطليعة الأدبية، عرفته من خلال «عطشه للصبايا»...
سمير العيادي... أحالني على سوفوكل وراسين وكورناي، هو من رسم لي ملحمة قلقامش...
أعجبتني اللعبة... تماديت فيها حدّ الإدمان فاكتشفت فاوست. وفاوست آخر واكتشفت الأم شجاعة، والملك لير... بل اكتشفت ديكارت... وماركس... ودوركايم... واكتشفت بالخصوص سوق عكاظ وفضائها الرحب: الجاحظ وبخلائه... بديع الزمان ومقاماته... الحسن والحسين ومسرح التعازي... الكاراكوز... بوسعدية... باب سويقة واحتفالاتها... ساحة الفنا... الحكواتي... أستاذ الأجيال عزالدين المدني ومسرح التراث. اكتشفت المسرح... بل اكتشفت الحياة...
شكرا... شكرا لك سمير العيادي... شكرا على العدوى التي أصابتني بسببك... وبسببك أصبت بمرض عشق المسرح. وأنت أول العارفين بسر هذا المرض الجميل: «لا نحبك... لا نصبر عليك».
هذه الحالة هي التي جمعتني مع ثلة ممن أصيبوا بعشق المسرح فأسسنا «مسرح الحلقة» سنة 1984، تأسيسا أردنا له أن يضيف للمشهد المسرحي التونسي، وأن يعكس اتجاها فكريا فنيا وجماليا يترجم طموحات جامحة لتأسيس خطاب مسرحي جديد... وكانت بداية الأحلام وكنت أنت سمير العيادي منطلقا لهذا الحلم. انبهرنا بفاوستك الآخر... هذا المشروع الذي أنجز صحبة الفنان كمال العلاوي في افتتاح مهرجان قرطاج سنة... فقررنا مثلك أن يكون «غوت» نقطة البداية... وأن يكون فاوست مغامرتنا الاولى، لكن من منظور الأستاذ عبد الكريم بالرشيد: «فاوست والأميرة الصلعاء».
واعتقدنا آنذاك بأن لمشروعنا رؤية فنية جمالية تحاول أن تبشر بأبجديات فرجة عربية. وإن كان تقييم مثل هذه التجارب الآن لا يدخل ضمن هذه الورقة، فإن ما نودّ التأكيد عليه هو تنوع الخطاب المسرحي في مرحلة الثمانينات وأوائل التسعينيات، فالفضاء الثقافي كان فضاءا رحبا استوعب كل الاتجاهات والمدارس ومكن كل المبدعين من حيز تعبيري بكل الصيغ، وأتاح أيضا فرصا لكثير من المبدعين الشبان من الإعلان عن وجودهم، فبرزت عديد التجارب النيرة والمتميزة بشرت بميلاد جيل جديد استوعب تجربة السلف وأقدم على تطوير تجربته الخاصة... فتأسست على خلفية كل ما ذكر جمعيات تحمل رؤى متنوعة ورائدة تتولى إصدار نشريات داخلية وتنظيم ملتقيات وندوات في محاور عديدة ترمي الى نشر الثقافة المسرحية بين منخرطيها أولا، وتمكين الممثلين الناشطين من زاد معرفي يسند مغامراتهم الركحية.
هذا المناخ واكبه جهد وإيمان بدور الثقافة بوصفها قطاع استراتيجي، لذلك استوجب توفير كل مقومات التمكين وتهيئة أرضية تتيح للمبدع الاضافة والمساهمة في حماية جيل وفكر... ووطن. مناخ تعزز يبعث صندوق التنمية الثقافية، وأيام قرطاج المسرحية ومجلة مسرح... إلخ من الانجازات التي ليس لها علاقة مباشرة بالمسرح.
هذا الإطار أنتج مشهدا مسرحيا متميزا فبرزت عديد التجارب المسرحية أثرت في مسار المسرح التونسي كفرقة الحبيب الحداد للمسرح التي ساهمت مع عديد الجمعيات في إرساء فرجة مسرحية تتسم بالوعي في الطرح الفكري والفني، مما مكنها من أن تكون أحسن ممثل لمسرحنا في المهرجانات الإقليمية والدولية، وجمعية نجوم المسرح بقربة التي كان لها شرف تأسيس الفعل المسرحي بالوطن القبلي والمساهمة في ميلاد مهرجان قربة الوطني لمسرح الهواية علاوة على نجاحها في تأطير أجيال في مجال الفن المسرحي. دون أن ننسى التجربة المتميزة والمستمرة الى الآن لجمعية بلدية دوز، هذه الجمعية التي لها شرف التأسيس لتقاليد مسرحية في الجنوب التونسي بصورة عامة، هذه الجمعية التي احتضنت ولازالت مجموعة من حديثي التخرج من المعهد العالي للفن المسرحي على غرار تجارب علي مصباح وفتحي بن عامر وأنور الشعافي وحافظ خليفة وفيصل بالطالهر... الذين وجدوا في رحاب الجمعية كل أسباب التألق والنجاح. وبصورة عامة كان هناك عنصر تكامل وإضافة بين الجمعيات المسرحية وخريجي المعهد العالي للفن المسرحي حيث أتاحت هذه العلاقة الاضافة للطرفين، الخبرة ومنحى البحث والتجريب لخريجي المعهد والاستفادة من المعرفة للناشطين بالجمعيات أحيانا. وبصورة عامة كانت الجمعيات تساهم في خلق مواطن شغل موسمية لخريجي المعهد العالي للفن المسرحي.
كما لعب صندوق التنمية الثقافية دورا هاما في إثراء هذه الديناميكية الجديدة من خلال الدعم الذي تمتعت به جمعيات المسرح بكونها هياكل انتاج وتنشيط. فبرزت فرق، كالمسرح المثلث، والعبث المسرحي بالمنستير، وجمعية البحوث المسرحية بقابس. ثم آفاق المسرحي بقابس، ومسرح الحلقة بتونس، والشباب المسرحي بتونس، ونجوم المسرح بقفصة، الخ من الجمعيات التي نجحت طيلة عقدين في تكوين الجمهور ونشر الثقافة المسرحية إذ أن القاعدة الأساسية لهذه الجمعيات كانت فتح حوارات بعد كل عرض بهدف التقييم والفهم والتجادل والغوص أكثر في المفاهيم والإشكالات المطروحة.
هذا هو المناخ الذي تعلمنا فيه، والذي أجاز لنا الحلم... فحلمنا... وحاولنا تحقيق حلمنا...
بدأنا... لكن البداية ظلت تراوح بين قناعة التأسيس ومعوقات الواقع.
نحن الآن في سنة 2009 نحتفل بمائة سنة للمسرح التونسي. ونعيش عرس أيام قرطاج المسرحية... أين هي الجمعيات التي ذكرناها والتي بصمت المسرح التونسي بامتياز؟!...
بكل بساطة لم تستطيع مواكبة المتغيرات الطارئة... لم تستطع أن تخضع لشروط السوق وما يفرضه قانون العرض والطلب، فالاتجاه العام للسياسة المسرحية ماض نحو الخوصصة وإتاحة الفرص أمام الباعثين لإنشاء شركات مسرحية، وما رافق ذلك من حل الفرق الجهوية وتعويضها بمراكز للفنون المسرحية. وتخلى القائمين على الشأن المسرحي بدعم الجمعيات المسرحية على مستوى الانتاج مع تخصيص منح متواضعة للعروض المبرمجة. لذلك أصبحت الساحة المسرحية مفتوحة أمام أطراف تهافتت على بعض الشركات وتأسيس الجمعيات التجارية التي لا علاقة لها بالفعل المسرحي.
ففي إحصائية ما، لا تستطيع هذه الورقة إثباتها علميا لكنها تبقى بالنسبة لنا مؤشرا هاما لفهم واقع الجمعيات المسرحية الآن.
نسبة كبيرة من الناشطين في القطاع عاطلين عن العمل وخصوصا في المدن الكبرى.
نسبة أكبر تقتات من النشاط المسرحي وتعتبره مصدر رزق.
نسبة عليا منهم محدودي التعليم لم يبلغوا شهادة التعليم الثانوي.
هذا الواقع أفضى الى حقيقة قاتمة لا يبدو من خلالها أن الجمعيات المسرحية قادرة على نشر ثقافة واعية ومسرح جاد.
حقيقة قاتمة يمكن للجنة التوجيه المسرحي أن تؤكدها إن رغبت في ذلك. فالجمعيات التي تتناسخ بصورة مفزعة وتنتج أي كلام تسند لها هذه اللجنة تأشيرة عبور للاعتداء على الذوق والفكر ثم تتولى إدارة المسرح برمجتها، قصد مدّنا من حين لآخر بإحصائية تبرز دور القائمين على المسرح وخصوصا مسرح الجمعيات من أهمية في النهوض بالقطاع ومدى اهتمامهم به.
لنكون صريحين، كم كبير من الأعمال المسرحية ولا يتمكن أي مهرجان مسرحي يبحث عن الجودة والتميز أن يجد خمسة أعمال يؤثث بها برمجته. وأكبر دليل على ذلك ما يعانيه مهرجان قربة الوطني لمسرح الهواة مع كل موسم.
لا أريد لهذا الطرح أن يكون متشائما لان عشاق المسرح الهاوي سوف لن يفوتوا فرصة للإصلاح ليواصل قطاع الجمعيات المسرحية دوره البارز وأنا متأكد من أن المخلصين والناشطين فيه سيتمكنون من تفعيل دوره من جديد.
نحبّ المسرح... ونحب كل العاملين والناشطين فيه لذلك أحببنا سمير العيادي وسنبقى نحبه لأنه ينتمي لبعض من الصور الجميلة في تاريخنا المشرق...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.