بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي لم يكن مسيحيو العراق قبل الاحتلال الا جزءا من النسيج الاجتماعي والثقافي العراقي شأنهم شأن أبناء الديانات الأخرى مثل الصابئة المندائيين الذين يشكلون نسبة متميزة في مدن الجنوب العراقي أمثال الناصرية والعمارة والبصرة، إذ لهم في الناصرية مثلا محلة كاملة تحمل اسمهم (محلة الصابئة) كما أن لهم حضورهم الكبير في بغداد، وأستطرد فأقول ان أول رئيس لجامعة بغداد بعد ثورة 1958 كان المرحوم د. عبد الجبار عبد الله وهو صابئي ولكنه وضع في منصبه لأنه، أحد علماء العراق الأفذاذ، كما أن شاعر العراق الرمز عبد الرزاق عبد الواحد صابئي وكذلك الشاعرة لميعة عباس عمارة. أما المسيحيون العراقيون فكان لهم حضورهم السياسي والثقافي ورغم أنهم موزعون على مدن العراق المختلفة مثل البصرة جنوبا والموصل شمالا وكذلك في كركوك رغم ان النسبة الأكبر منهم تقيم في بغداد. كان أول قادة الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان (فهد) مسيحيا من الناصرية، وكان ابن شقيقه داود واسمه سليم صديقي. وضمت المدينة أسرا مسيحية كثيرة مثل أسرة (طوبيّا) وأسرة جورج وأسرة يوسف جبريل صاحب أشهر صيدلية في المدينة وكذلك أسرة داود (والد حكمت داود المولود في الناصرية هو واخوته وقد أقام في تونس سنوات) وأسرة باكوس وغيرهم (وهناك أيضا زيجات مختلطة ابنة الصيدلي سميرة تزوجت الفنان فائز الزبيدي وابنة جورج تزوجت الفنان محمد الزهيري). كانوا منخرطين جميعهم وفي اي مدينة أقاموا في الأعمال التي يمارسها غيرهم من المراقبين. حتى جاء الاحتلال وبمشروع المحاصصات الجهنمي الذي يريد انتزاع الجلد من العظم وجعل الناس يتنابزون بهويات لم تخطر ببالهم، هويات اثنية وأخرى طائفية وثالثة عرقية، حتى ينسون الهوية الأرحب والأوسع، هوّيتهم الوطنية. والعمليات اللئيمة الموجهة ضد المسيحيين في العراق التي شملت البصرة وبغداد ثم الموصل والقرى والمدن التابعة لها ذات الأكثرية المسيحية هي جزء من حملة تقسيم العراقيين وفرزهم دينيا وطائفيا... والاحتلال وأتباعه ليسوا بريئين من هذا مطلقا إذ أنه وراء كل لعبة الموت والتهجير هذه. كما ان للزعيمين الكرديين الطالباني والبارزاني مأربهما من دعوتهما مرارا الى استقبال المسيحيين في شمال العراق الذي تحتله بشمارغاتهما، وفتحاه لكل القوى المعادية لوحدة العراق ومنها الكيان الصهيوني الذي أصبح له نفوذه الواضح هناك في هذا الجزء العزيز من العراق المحتل. وقد استمعنا الى نائب مسيحي اسمه يواديم كنّه (أرجو أن يكون الاسم دقيقا) وهو من المحسوبين على الاكراد يدعو الى هجرة المسيحيين الى منطقة سهل نينوى التابعة للموصل وانشاء محافظة (ولاية) جديدة مسيحية فقط هناك، أي أنها تجتزأ من الموصل الحرباء العزيزة، علما أن هذه المحافظة ستكون تابعة للاقليم الكردي والغريب أن هذا المطلب حظي بدعم الزعيم الثائري الكردي جلال الطالباني رغم انه سمي ووفقا للمحاصصات رئيسا لجمهورية العراق! وهذا يعني أن المؤامرة التقسيمية متواصلة وتأخذ كل مدة شكلا جديدا وليس غريبا ان يحصل هذا فما سمي بالدستور الدائم الصادر عام 2005 يبيح كل المحظورات، وهو (دستور ضد الدستور) على حد تعبير الصديق د. عبد الحسين شعبان الحقوقي والمفكر المعروف. اننا واثقون بأن اخوتنا وأهلنا في الموصل الحرباء مسلمين كانوا أم مسيحيين سيفشلون أحلام (يوناديم كنه) التي غرستها في رأسه الشوفينية الكردية العمياء، وأن سهل نينوى الاخضر هو سهل عراقي أولا وآخرا، سهل كل مدنه عراقية أما خونة السهل والجبل فهم زائلون لا محالة، والكلمة الأخيرة للشعوب وليس لباعة الأوطان وزارعي الوهم.