ثَمَّةَ كَلِمَة تَقْتُلُ مَا بَعْدَهَا. يراها الطاووسُ فيتواضع. تَسْمَعُهَا الكَلِمَاتُ فَتسْقُطُ عَنْ شَجَرَةِ الكَلاَمِ. تُبْصِرُهَا العُيُونُ فَتَعْمَى. فأرةُ حاسوب تخمش قطّها في مرآة فلا يبقى من وجهها شيء. ذَيْلُِ حصَانٍ في البَرِّيَّةِ تَذُبُّ المَعَانِي الزّائدة والمعاني النّاقصة فَيَذبُلُ كُلُّ شيء. الكلمةُ التي أُعاجِزُ تُحْيِي مَا بَعْدَهَا. تَقْتُلُ فيه حَياتَنَا الكاذبة. فإذَا هُوَ أَخْضَرُ وَعَارٍ. غُصْن زيتُون أعزَل إلاَّ مِنْ خَرَابِهِ الكامن، الذي هُوَ جَمَالنَا المَحْضُ، الذي هو قَفانَا المُلغّمُ بالهُويّ، الذي هو مَعْنَى حَياتِنَا الوحيد. بينَ طاووس العشرين وريشة الكَلِمَةِ، تَنْبُتُ طَحَالِبُ وَمَسَافَات. أَغَان وحجارة. كنتُ ريشةً في جناح الطاووس. لعبتُ بالعقارب في عروق نفزاوة. عصرت برتقال الشريفات. تهجّيتُ أزقّة تونس. عضضتُ بأحلامي على صخرة سقراط. قبّلتُ الحجر الناهد في صدر أكثر من كاهنة، حدفتُ أكثر من قرصان. ها أنا أسمع السلوقيّ ينبح: شبابُكَ في العشرين هديّة الزمن. شبابُكَ الحقيقيّ، عليك أن تختطفه من بين أنياب الزمن. الآن والقلب مثخن، والثقب فاغر، وشجرتي درداء، ومرآتي شظايا، وقطّي سلوقيّ، وحصاني مُكبّل، وطاووسي تحت إبطي، أقول للحقد وداعًا، أو هكذا أزعم؟ لا يحقد إلاّ من ينظر إلى الخلف. الآن لديّ بالكاد الوقت كي أقاوم الكلمات الحاقدة مثلما تتنفّض شجرة من أوراقها الميتة. ذلك أنّي فتّني بالكلام: الكلمةُ حَجَر، لاَ يَقُومُ نَصًّا إِلاَّ إِذَا مَاتَ فِداَءً لِلنَّصّ. ثمّةَ كلمةٌ لاَ تَشْتَهِي أَنْ تُقَال. عَلَى عتبةِ الفَمِ تَمُوت. تَتَعَلَّقُ بِتَلاَبِيبِ الشفتين، ومِنْ خَلْفٍ، كَلِمَاتٌ كَثِيرَة تَدْفَعُهَا إلى الخَارِج. أعرفُها من الرائحة. تقول أنا ابنةُ الرائحة الخطأِ وأنتَ؟ أقول أنا ابنُ ثلاثة أخطاء: هذه الجُغْرَافِيا النؤوم. هذا التاريخ الشّخّيرُ. وكفّارتهما: أَن أُفسد عليهما كلّ نوم. اُخرُجي يا كلمتي ولْيَكُنْ ما لا يكونُ. تمرّغي في الأرض. اغتسلي بالزمن. أطلقي أناشيدك يا زهرة غُباري. خرّوبة أنتِ لَكنَّكِ تَتَكَلَّمِين. سلام لَكِنّي أَحْتَرِقُ بِكِ. وَرْدَةٌ لَكِنَّكِ تَجرحينَ. حَيَاة لَكِنّي أَمُوتُ بِهَا. كُلُّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ هِي ابنةُ الرائحة، الرائحة التي تضيع بين السماء والوردة. وَفِيمَا تَخْلُو الكَلِمَاتُ الأُخْرَى إِلَى صخبها دَاخِلَ الفَمِ، تُخْتَمُ الشفتان بالصّرِيرِ القَاتِلِ. تِلْكَ الكَلِمَةُ الطّرِيدَة ، لَمْ يَسْمَعْهَا أَحَد إِلاَّ أَصْبَحَ شَاعِرًا. ذلك أنّي فُتُّني بالكلام: الكلمة شهوة، طَقْطَقَةُ عِظَامِ المعنى يُصَفِّرُ بعضُها لبعضٍ. ثَمَّةَ كَلِمَة لِلتَّمْوِيهِ عَلَى الكَلِمَة. وأُخْرَى تَقْبِضُ رَشْوَةَ البُحْبُوحَة. وَثَالِثَة تُشَقْشِقُ مِثل الطَّار، كُلَّمَا دغدغها طَرَفُ اللِسَان أو نقرتها الأصابع على الكيبورد. كلمتي مهاجرة. تعبر النار بلا جواز. ليس لها بريد إلكترونيّ ولا سكن قارّ. اقتربي بي ومنّي يا حارقة، يا محترقة، يا حرّاقة. ابتعدي بي فيّ وعني. أنا الوردة التائهة. أنفُخُك ريشًا لأطير قصائد لأرى، رائحةً لأفوح. آخذك إلى قاع يومي الضارب في الأساطير. أفرش لك فرحي المغدور، أحزاني المرحة. أبسُط لك أحلامي، أضع على رأسك رأسي. بعد كلمة مأساةٍ بضحكة، أتركك تصنعين مصيرك، وكما تبحث المياهُ عن مجاري جديدة، أذهبُ إلى جَسَدِي، أرفعك مثل السيف أواجه بَيَاضِي الدّاكِن. ذلك أنّي فُتُّني بالكلام: