لا أحد يراوده الشك في أن كل الشعب الفلسطيني يخضع للأسر... ولا أحد قادر اليوم، على الادعاء بأن كل فلسطين لا تخضع للاعتقال... انتفاضة جديدة تغمر الأراضي الفلسطينية سواء داخل السجون والمعتقلات الصهيونية التي لم يورد التاريخ مثيلا لها في التعذيب والاعتداء والاهانة ضد شعب فلسطين أو داخل السجن الكبير فلسطين... من الماء إلى الماء.... فلسطين أسِرت منذ قرون من الزمن تقريبا، حيث تحالف المستعمِرون ضدها وأقاموا أسوار السجن على خارطة سايكس وبيكو... السجن المقنن سجنا وداخل الوطن «المقنّن» وتحديدا حين تقاسم الفرنسيون والانقليز مستعمرات «التركي المريض» وحددوا فلسطين كسجن مترام لشعب فلسطين ولقلب الأمة برّمتها... في فلسطين اليوم انتفاضة يسعى المحتلون وأتباعهم إلى أن يجعلوها صامتة وخافتة، انتفاضة الأسرى والمعتقلين الذين يعدون بالآلاف، بل بمئات الآلاف في سجون ومعتقلات الكيان الصهيوني... هؤلاء المعتقلون والأسرى انتفضوا اضرابا عن الطعام، ساندهم في ذلك أهاليهم وذويهم داخل السجن الكبير... لكن الحركة لم تعرف رواجا عالميا لأن التعتيم هو وحده القادر على تصفية قضية وطنية في زمن تملك فيه القوى الإمبريالية والاستعمارية أغلب وسائل الإعلام الشهيرة والأكثر رواجا في العالم... المعتقلون الفلسطينيون الذين يعانون داخل السجن «المقنن» سجنا وداخل الوطن «المقنن» معتقلا يناضلون ويجاهدون من أجل الحرية والكرامة الوطنية... هذه القيم التي يسعى الاستعمار وأذنابه الى جعلها مفاهيم متقادمة وبالية وبالتالي فإن رافعيها مصنفون في خانة القوى الجاذبة الى الوراء... لكنهم خسئوا كمستعمرين وخسىء من يتبع خطابهم... فما زال للوطن قيمته وما زال للكرامة الوطنية باع.... في فلسطين يقبض الفلسطيني على جَمرة في حين يقبض السجين والمعتقل على جمرتين، جمرة الاستعمار الذي يأسر كل الوطن وجمرة السجن الاسرائيلي الذي أضحى مثالا أو هو مضرب للأمثال في البطش والتعذيب والقتل وسفك الدماء... عندما يتذكر المرء كم أسيرا فلسطينيا غادر المعتقل وهو معاق، وكم أسيرا خرج من المعتقل نحو مثواه الأخير، يمكن وقتها أن نفهم قيمة وحجم وأهداف النضال الفلسطيني الآن وانتفاضة أبناء فلسطين ضد الاحتلال وضد الاعتقال وضد حجب الصفة القانونية التي تؤمنها اتفاقيات جنيف الأربعة عن الإنسان الفلسطيني داخل فلسطينالمحتلة... انتفاضة المعتقلين والحركة الجماهيرية التي تتصدى لبأس الاعتقال وبطش الاحتلال في فلسطين هي وخزة في ضمير الإنسانية التي تخلت عن ضميرها فجأة.. الانسانية فقدت الصواب في فلسطين... فقد أصبحت أخبار الاعتقال وطريقة الاعتقال والأسر التي لا تخضع الى ضوابط ولا إلى قانون سمة الفعل الاستعماري الإسرائيلي... والمشكل ليس في هذا المفصل، فهذا كله معروف والصهيونية كعصابات ومخابرات رهط لم تعرفه الإنسانية اليوم مع انتفاضة الأقصى أو انتفاضة 1987 بل إن «صيتها» ضارب في التاريخ، والمجازر التي ارتكبتها والتعذيب المشين الذي تعرض له المعتقلون والمعتقلات في كامل فلسطين منذ أسرت الى اليوم، يفوق الخيال لكنه غير غائب عن أذهان الناس... القضية تكمن في مفصل آخر ويتمثل في هذا الصمت المريب الذي تحول الى جريمة... ذاك الصمت الذي سجلناه في صفوف المنظمات والجمعيات الانسانية تلك التي لا يغمض لها جفن اذا مُست حقوق إنسان في أقصى الأرض أو أدناها... إلا في فلسطين والآن مس الأمر العراق... شعب فلسطين في الأسر وكل الوطن رهن الاعتقال لكن الرهان الذي لن يقدر على مواجهته المحتلون هو : من سيصمد أكثر السجين أم الجلاد... القوي أم الضعيف؟.. الشعب المعتقل الشعب الأسير في فلسطيني يعرف الجواب.... ويعرف أكثر الطريق المؤدي الى الجواب، لكن الجلاد نراه قد نفد صبره لأن صبر الصابرين... أرّقه...