يحقّ لكل متابع ومراقب للأحداث السياسية في كل من الكوت ديفوار وهايتي والعراق أن يعجب وان يحتار لنهايات الانتخابات بها ومآل عملية التصويت في هذه الاقطار. ثلاث دول تختلف عن بعضها البعض في الكثير من المستويات (العرقية، الدينية، الجغرافية، التاريخية...) وتتقاطع في نقطة واحدة متمثلة في فشل الانتخابات لديها في اقرار الديمقراطية والاستقرار والأمن. ثلاث دول وسيناريو واحد، عمليات اقتراع يليها ادّعاء كل مرشح بتحقيق الأغلبية تعقبه مناوشات كلامية سرعان ما تستحيل حربا أهلية دامية بين أبناء الوطن الواحد تسفر عن مصرع العشرات لدى أنصار كل مرشح. وكما أن الضحية هي نفسها التي تسقط في الكوت ديفوار أو هايتي او العراق باعتبار أنها لم يعلم حين وفاتها سبب قضائها نحبها ولم تدرك نهايات الدماء المسكوبة على عتبات صناديق الاقتراع: فإن الخيط الناظم بين التجارب السياسية الثلاث واحد وينسحب حتما على النماذج الثلاثة. مكمن الدّاء، متمثل في خرق خارطة بناء الدول الطبيعية ونقض مسار تكوين الدولة الحديثة، ذلك أن الديمقراطية شئنا أو أبينا... رأس هرم قوامه المواطنة بمعنى الانتماء الى الوطن والأمن بمعنى عدم قدرة أي كان على الالتجاء الى «العنف الشرعي» وحيازته بيده. مكمن الدّاء، لدى هؤلاء، مشكل في السعي الى إجراء انتخابات، بألوان وصور وحملات دعائية ديكورية ليس لفسح المجال أمام التعددية السياسية وإنما للوصول الى النفوذ والسلطة وتطويع مقدرات الدولة وتسخيرها للأهل والآقارب وأبناء الطائفة والقبيلة. مكمن الدّاء، لدى هؤلاء، أنهم صدّقوا الغرب عندما زعم لهم بأن كثرة المشاركين في الانتخابات التشريعية والرئاسية تعني أن هذا القطر أو ذاك بات يمثل أنموذجا ديمقراطيا يحتذى لدى الأوساط المحلية والاقليمية والدولية. متى سنتعلّم أن لا قيمة لعملية انتخابية تتوالد بها الوجوه والأعلام والرايات طالما أن الوطن مجزّأ أو مهدّد بالتجزئة والانفصال؟ ومتى ندرك أن الاختلاف في الرأي والطرح السياسي في وطن يغيب عنه مفهوم المواطنة، خطابا وممارسة، سيتحوّل الى ضغائن تحقن بآفات الطائفية البغيضة؟ ومتى نفهم أن الديمقراطية في أوطان تبنى وتشيد وفي أخرى تهدم وتقوّض... وكم من مأساة لحقت بشعب من الشعوب تحت يافطة «الديمقراطية» والعملية الانتخابية.