في انتظار الجزء الثاني لمقال السيد بو عبد الله ليعذرني السيد بو عبدالله على صراحتي: -المقال من أضعف ما قرأت من حيث الشكل و المضمون. -لم أر للعنوان المبرز لاسم الرئيس-الذي يكاد العاشقون له أن يملوا سماع اسمه- أي علاقة جوهرية بالموضوع. علما و أني لم أفهم قصدك ب"الخلف". -المراجعات لا تهدف أبدا للبحث عن المسؤول عن كل ما حصل أو توجيه الاتهام الى جهة ما و إنما إلى تحديد الخلل في المنهج.أما ما ترمي إليه فمعلوم من الديمقراطية بالضرورة و هو أن المؤسسة التي قادت أي حزب إلي أي مأزق أو كارثة أو حتى هزيمة إنتخابية غير منتظرة هي من يتحمل المسؤولية و إن لم يستقل رأس الحزب الذي طبع المرحلة-و هذه ابسط تقاليد الديمقراطية -فليس ذاك الرئيس سوى مشروع دكتاتور و إن تعلل بأن صندوق الإقتراع هو الفيصل .و في حالتنا هذه فلا عجب أنه لم يستقل أحد إذ أن الديمقراطية ثقافة لا تكتسب بالنوايا الحسنة و ليس أبناء الحركة الإسلامية إلا ضحايا الدكتاتوريات المتعاقبة علينا و آخرها هذا الذي يجثم على صدورنا منذ 22 سنة و ربما ل22 سلة أخرى إن مد الله في العمر ليغير الدستور بعد كل إنتخابات -طبعا بإلحاح من الشعب-.علما و أني شديد التفاؤل بأن تعرج عبارة أو إشارة في جزئك الثاني إلى طبيعة نظام من عنونت به مقالك. - فيما يتعلق بالخلل فإنه يتبلور بشكل واضح في نظرتك للنهضة و التي يبدو أنك لم تقتنع بعد بأنها مجرد حزب سياسي يخطئ و يصيب ,له برنامج سياسي يسعى إلى المشاركة في الحياة السياسية إلى جانب كل الأحزاب الأخرى و يؤمن بالتداول على السلطة إلا أن مرجعيته إسلامية . أما قولك " والمسلم ان فشل ولم ينتصر او لم ينجح فعليه ان يبحث عن الخلل......." فيؤشر إلى اعتبارك النهضة جماعة المسلمين وهذا لعمري مكمن الداء إذ أن حملة هذه الأفكار البدائية لا يصدقون حتى البيان التأسيسي و يعتبرون ما جاء فيه من باب التكتيك و أنهم يدافعون عن الإسلام في تونس فكانوا بالنتيجة من دعاة الحسم مع نظام بن علي و التقوا مع اليائسين من استعداد الحزب الواحد للتعايش, فلما كانت الهزيمة المنتظرة إذ بهؤلاء يختبؤون وراء تفسير يصلح لكل معضلة مهما كانت طبيعتها ,إنه شعار الغوغاء و ملاذ الفاشلين "كل شيئ كان بسبب البعد عن الدين" غير بعيد عن هذه الفوضى الفكرية تقترح في مقالك حل تسليم الأمر لأصحاب الإختصاص الشرعي, و لو غالت الحركة الإسلامية في هذا المنهج لكانت المصيبة أعظم. يا سيد بو عبد الله نحن في صراع مع الإستبداد و نريد الحرية للجميع و لنا مشروع سياسي لتونس متصالحة مع هويتها و لسنا في صراع عقدي أو فقهي أو أصولي حتى نحتاج إلى متخصصين في الشريعة نسلمهم رقابنا ليكتشفوا ربما بعد عكوف طويل على كتب يرونها معتمدة دون غيرها أن لا أصل للحرية في الإسلام ( كما يقول حزب التحرير) أوأن المظاهرات بدعة ( كما ترى هيأة كبار العلماء ) أو ان تشكيل الاحزاب تفرقة محرمة(كما يقول الألباني) او أن بن علي ولي أمرنا(كما يقول الحمدي و كل فقهاء السلاطين) و لا اخالك تجهل حكم الصبر على ظلم ولي الأمر و ما تزخر به " الكتب المعتمدة" في هذا المجال........................................ - يا سيد بو عبد الله, للحركه الإسلامية في تونس ميزات كثيرة منها : + فهمها للواقع السياسي + التوجه للمواطن و التركيز على العمل الإجتماعي و الإغاثي +قبولها للتداول على السلطة و اللعبة الديمقراطية بينما لا يزال يعتقد بعض أبناء التيار الإسلامي بعد مرور 30 عاما بكفر حامل هكذا أفكار + نجاحها في إرساء خطاب معتدل و القطع مع خطاب التكفير حتى مع يسار اليسار رغم رواج بضاعة الفكر التكفيري +سعيها الحثيث و الدؤوب على العمل العلني و الحصول على التأشيرة القانونية + إرساء قواعد للتعامل الحضاري و الديمقراطي في التعامل بين الفرقاء في الفضاء الجامعي + عدم الإنزلاق إلى العنف رغم شراسة الهجمة الإستئصالية للنظام + منافحتها على الهوية الإسلامية + إثبات كفاءتها في أغلب التحديات : نجاح تجربة الفجر الإعلامية هذه الميزات و غيرها كثير كانت تؤهلها لقيادة البلاد-لولا الظروف الموضوعية و المتمثلة أساسا في امتلاك تونس لنظام من نوع خاص جدا : مستبد لا يقبل بأقل من الحكم مدى الحياة و بعد المماة و لا مجال معه لمعارضة جادة مرشحة لإزاحة حزب الزعيم الأوحد , سلم تونس لعائلة تنشها منذ 22 سنة تعشت بالبلاد و حلت بالعباد تدعمه نخبة يسارية متطرفة إنتهازية تسلقت جدران القصر حاقدة على كل ما هو إسلامي ولا تتوانى في إعلان أنها لا تألو جهدا في تجفيف منابع التدين , تحميها عصا البوليس التي قضت على الأحضر و اليابس وسط صمت دولي مطبق لا أريد هنا إهمال الأسباب الذاتية لفشل الحركة الإسلامية في تونس - و هو موضوعك المفضل على ما يبدو- فهي كثيرة,أرى أهمها: + أنها جزء من مجتمع ضحية للإستبداد ( و بالتالي مستبد) و لا تمتلك اي تجربة ديمقراطية عبر تاريخها + عدم قدرتها او رغبتها في إقناع الأطراف الدولية -صاحبة المصالح - أنها لا تمثل خطرا على الإستقرار + فشلها في إقناع قطاعات واسعة من الشعب أنها لا تمثل خطرا على المكاسب المدنية + فشلها في إقناع قطاعات واسعة من النخبة بقبولها باللعبة الديمقراطية + عدم وضوح الموقف من تطبيق الشريعة + تفاوت الرؤية للخط الفاصل- بين الديني و السياسي - بين خطاب الأقلية القيادية و ممارسات الأغلبية القاعدية بل حتى بين خطاب القيادة الخارجي و الداخلي + غياب التثقيف السياسي + غلبة العوامل الأخلاقية والدينية على التشبع بالمبادئ السياسية في الإستقطاب و إيكال المهام و الإرتقاء في السلم التنظيمي +غياب الشفافية و المحاسبة العلنية بحجة تجنب الطعن و الفتنة + غياب المنافسة الحقيقية و محاولة إظهار الجسم كوحدة متناسقة مما يعمق صبغتها الطائفية +سيطرة نفس الشخص على كل مفاصل الحركة منذ تأسيسها مما يؤشر على طبيعة المشروع الديمقراطي المنتظرو يعمق شكوك المتخوفين من المشروع الإسلامي + تهميش من لا يدين بالولاء للحرس القديم مما أدى لهدر الطاقات بل و استعداء أبناء الأمس + إستنزافها لابنائها حيث تأخذ و لا تعطي حتى صارت عبئا ثقيلا أرهق الكثير من أبناءها - أما إدعاؤك أن الحركة كانت تندثر بعد اول لقاء علني يجمع كل اتباعها لو سمح لها بالعمل العلني فهو يعادل ادعاءك معرفة ما لم يتوصل إليه كل خبراء الحركات الإسلامية في العالم حيث يحذرون من قدرتها على التوسع و التأثير و الإستقطاب و هو ما أحذ به النظام التونسي (والمصري كذلك مثلا) و لم يأخذ به بن جديد فاستولت الجبهة على قلوب و عقول و أصوات الجزائريين ,أو ربما ليس رايك هذا إلا تمنيا أو نقمة على ضعف أبناء الحركة الإسلامية و هوانهم . - بصراحة فإن أغلب النقاط الأخرى قد عرضتها بشكل قريب من الحكايات الخاصة التي لا تصلح حسب رأيي للنشر كمقال تحليلي لهكذا موضوع و لذلك فإلي أنصحك جادا في مراجعة جزئك الثاني قبل نشره, والسلام