أوعزت الخارجية الاسرائيلية سرّا لكافة بعثاتها الديبلوماسية بالخارج للتحرك من أجل إحباط اي نشاط ديبلوماسي فلسطيني على الصعيد الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967. وتأتي الحملة الاسرائيلية عقب اعتراف عدد من دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية واحتمال التحاق دول أخرى بركب البرازيل والأرجنتين والأوروغواي وبوليفيا في هذا الشأن. وفي الوقت الذي تنشط فيه الآلة العسكرية في القطاع وجرافات الهدم في الضفة واستمرار توسيع المستوطنات، تنشط الآلة الديبلوماسية الاسرائيلية في الخارج في خطوة استباقية تكشف مدى مخاوف قادة الكيان الصهيوني من اي اعتراف بالدولة الفلسطينية وحدودها او رفع تمثيلها الديبلوماسي في أوروبا. ومع ان الظرف السياسي يبدو مناسبا، ومع ان الخطوة الجريئة التي أقدمت عليها دول أمريكا اللاتينية مشجعة، يبقى التحرّك العربي محدودا إن لم يكن معدوما فالسلطة الفلسطينية المثقلة بهموم المصالحة المتعثرة، وبعجزها عن تحقيق الوفاق الوطني، وتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني، تحتاج الى أكثر من مجرد بيانات الترحيب العربي باعتراف البرازيل والارجنتين وبوليفيا وأوروغواي بالدولة الفلسطينية. وتحرص إسرائيل على إبقاء الوضع على ما هو عليه حتى لا تخرج المفاوضات من «قفص التفاوض» وحتى تستمر السلطة الفلسطينية في الدوران في حلقة مفرغة. والنتيجة الحتمية في كل هذا شراء المزيد من الوقت لتوسيع رقعة الاستيطان وتهويد القدس، وهذا ثبت عمليا بمضاعفة اسرائيل لعمليات بناء المستوطنات واجراءات تهويد القدس، منذ إعلان إدارة أوباما تعهدها بإيجاد تسوية للصراع العربي الإسرائيلي. والمفارقة ان السلطة الوطنية الفلسطينية والدول العربية المعنية تقليديا بملف المفاوضات، تدرك ان عملية السلام ولدت ميتة وأن المراهنة على الراعي الأمريكي مراهنة خاسرة ومع ذلك تستمر في السير في نفق مسدود. بالأمس تعالى صوت من أمريكا اللاتينية يدعو الى رفع الوصاية الأمريكية على عملية السلام، صوت الرئيس البرازيلي المنتهية ولايته لولا داسيلفا، وكان أحرى بجامعة الدول العربية ان تبادر بإطلاق مثل هذا النداء والتحرك دوليا لتفعيله واستثمار اعتراف دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية المستقلة لإعطاء المسار السياسي أكثر زخما. والمراهنة مجددا على إحياء المفاوضات، والمسعى الأمريكي لتحريك عملية السلام، مراهنة خاسرة بكل المقاييس، وعلى العرب إيجاد بدائل وتصحيح مسار التفاوض طالما أنهم أعلنوه خيارا إستراتيجيا تصحيح يعتمد على سند دولي ومقوّمات قوة حتى لا تبقى «دار لقمان على حالها».