مفارقة عجيبة تشهدها السياحة بولاية قابس في السنوات الاخيرة فرغم احتواء الجهة على جميع مقومات النجاح لاستقطاب السياح, من موقع جغرافي متميز يجمع بين سواحل بحرية ممتدة وواحات ساحلية وداخلية متنوعة وثرية وجبال وصحارى منسجمة, فإن وضع السياحة يشهد تراجعا واضحا يمكن ان ندلل عليه بمؤشر واحد وهو تراجع عدد الوافدين بنسبة 16,2%. واقتصرت السياحة في قابس على سياحة العبور وهوما اثر بلا شك على قطاعات اخرى كباعة المنتوجات التقليدية بسوق جارة واصحاب العربات المجرورة «الكروسة» السياحية ويبقى امل هؤلاء جميعا في الاحداثات السياحية الجديدة وخاصة المنطقة السياحية بشط الحمروني والمنطقة السياحية الاستشفائية بخبايات الحامة ودعم السياحة الثقافية. تعتبر الجهة منطقة ذات مقومات وخصوصيات تميزها عن بقية المناطق الاخرى مما يؤهلها لاحتواء انشطة سياحية متنوعة تشمل السياحة الساحلية والاستشفائية والثقافية والجبلية مجتمعة بفضاء جغرافي واحد. ويؤكد في هذا السياق السيد فوزي الطويل الرئيس السابق لنقابة التوجيه السياحي بقابس انه «رغم التلوث البحري والهوائي فان السياحة لا زالت تحافظ على مقوماتها خاصة وان مدينة قابس مفترق طرق تؤدي الى السياحة الجبلية بمطماطة وما جاورها من قرى جبلية كتمزرت وتاوجوت وقصر بني زلطن والزراوة وتوجان والى السياحة الاستشفائية بالحامة والى سياحة الواحات وخاصة واحة شنني اضافة الى أن متحف العادات والتقاليد غير بعيد عن ضريح الصحابي ابي لبابة الانصاري». مقومات ثرية ويضيف الرئيس السابق لنقابة التوجيه السياحي أن بالجهة «منتوجا سياحيا متنوعا يتمثل في عدة مقومات اولها السياحة الساحلية اذ تمتد الشواطئ الرملية الخالية من الصخور على طول حوالي 40 كم يرتادها حوالي 40 الف مصطاف من متساكني المدينة وابنائها من مختلف المعتمديات ومن الولايات المجاورة الى جانب الجالية المهاجرة ومجموعة كبيرة من الاشقاء المغاربة وتطل هذه الشواطئ على واحات كثيفة وخلابة يمكن اعتبارها فريدة من نوعها في العالم وثاني المقومات ثراء وتنوعا من جانب المخزون الثقافي والحضاري بالجهة بين اثار بربرية بكل من مطماطة وتوجان وتمزرط والزراوة وبني زلطن ومعالم اسلامية من ابرزها مساجد ضاربة في التاريخ وضريح الصحابي الجليل ابي لبابة الانصاري والمدرسة المرادية المجاورة للمقام بالاضافة الى وجود معالم اخرى من اهمها خط مارث الذي اقيم به متحف عسكري. وتعد واحات قابس المتواجدة باغلب معتمديات الولاية ركنا اساسيا من اركان السياحة بالجهة وتمتد على مساحات واسعة من وادي قابس وغنوش وتبلبووالزارات بل انها تصل الى حدود وذرف والمطوية وتتميز بوجود واحة على ساحل البحر قريبة من الصحراء والجبال وهوما يعطي السياحة بالجهة بعدا آخر لسياحة تجمع بين السياحة الواحية والسياحة الجبلية والصحراوية لما تحتوي عليه مناطقها من جبال وتضاريس متنوعة يمكن اعتبارها من العوامل الاساسية في تنويع المنتوج السياحي الوطني لما تتصف به في هذا المجال من خصوصيات طبيعية وبيئية يحاول معها متساكنوها المحافظة على انماط تقليدية للحياة اليومية وتنتشر في ربوعها مغاور ذات طابع معماري مميز بالمناطق الجبلية تروي احقابا طويلة من تاريخ الانسان في الجهة وتقوم شاهدا على تمكنه من التاقلم المستمر والمتواصل مع العوامل الطبيعية. سياحة الاستشفاء ولا تقتصر مقومات السياحة بالجهة على المعالم الاثرية والقرى الجبلية والشواطئ والواحات فحسب بل تتعداها لتشمل عدة مجالات اخرى من اهمها مجال الاستشفاء وخاصة في مدينة الحامة التي تعتبر قبلة زوار هذا النوع من المنتوج السياحي بفضل شهرة مناطقها بالمياه الجوفية الحارة وتركيبتها الاستشفائية المتنوعة. وقد اثبتت الدراسات العلمية الحديثة منافع مياه الحامة الاستشفائية في معالجة العديد من الامراض كالروماتيزم والامراض الجلدية وامراض النساء وذلك لاحتواء هذه المياه على تركيبة استشفائية متنوعة تجمع بين الكالسيوم والمانيزيوم والسوديوم والبوتاسيوم والبيكربونات والسيلفات والكلور... والى جانب ذلك فللمنطقة عراقتها التاريخية اذ مرت عليها حضارات متنوعة فكانت من اهم المصارف والمراكز التجارية في العهد الفينيقي وكانت اسقفية ذات اولوية في العهد الروماني وكانت ملتقى طرقات القوافل التجارية الافريقية والعربية المؤدية الى بحر الغزال والتشاد و«طمبكتو» في مالي فكانت بذلك بوابة الامتداد الطبيعي لافريقيا جنوب الصحراء وللشرق الاوسط من خلال 7 طرقات رسمية للقوافل الا انه وبمؤامرة استعمارية تنافس فيها المستعمر الفرنسي لتونس والمحتل الايطالي لليبيا للاستحواذ على بوابة «غدامس» تنافسا ادى الى اغلاقها... وكل هذه الحقب المتتالية تركت اثارا لها في الجهة عددتها المصالح المختصة باكثر من 150 موقعا اثريا الا ان اغلبها لم يتم استغلالها الى الان بل ان بعضه ترك نهبا للصوص الاثار. معوقات عديد المعوقات تعترض السياحة بقابس وتجعلها تقتصر على سياحة العبور ولعل اهمها على الاطلاق تاثير التلوث رغم المحاولات الجادة للحد منه ورغم الحوافز الجبائية الهامة للتشجيع على الاستثمار في هذا المجال ومحاولات تهذيب وتعصير المسالك السياحية وترميم القرى الجبلية ببني زلطن وتوجان وغيرها والمحافظة على المنازل المحفورة بمنطقة مطماطة. ومن المعوقات الاخرى نذكر افتقار الجهة للتنشيط السياحي لعدم توفر العناصر البشرية المختصة بما فتح مجالا واسعا للدخلاء... وقد حدت كل هذه المشاغل من اهمية الجهة سياحيا واثرت على قطاعات اخرى كباعة المنتوجات التقليدية ممن اكدوا على تراجع حجم مبيعاتهم للسائح الغربي بعد ان قل مروره على سوق «جارة» بما ادى الى كساد بضاعتهم رغم محاولاتهم تعويضه بالسائح المغاربي والسائح التونسي. مهنة اخرى تاثرت بشكل كبير بتراجع السياحة في قابس وهي النقل السياحي عن طريق العربات التقليدية «الكروسة» حيث يؤكد رئيس نقابتهم محمد رجب على ان «عدد العربات كان منذ 15 سنة يصل الى 80 عربة يعمل اصحابها بشكل يومي في حين لم يعد عددهم خلال هذه السنوات الاخيرة يتجاوز 12 عربة ينتظرون اياما للحصول على حريف وقد زادت البلدية من تازم الوضع بمنع اهل المهنة من التجول داخل المدينة بتعلة «مخلفات» الاحصنة في حين ان عربات غير سياحية تتجول بكل حرية ناقلة بضائع مختلفة ومخلفة نفس القاذورات وقد وعدونا مرارا وتكرارا بالعمل على تفعيل دور هذه العربات والسماح لها بتنشيط المدينة وخاصة خلال فترة الصيف وعلى «الكورنيش». ويواصل محمد رجب حديثه مؤكدا ان ما يزيد وضعهم سوءا هو «عدم التزام اصحاب السيارات السياحية رباعية الدفع وحتى الحافلات الصغيرة بالقانون فيدخلون المسلك السياحي بشنني مثلا بعرباتهم في ظل غياب رقابة صارمة عليهم وحتى المناسبات القليلة التي تتوفر لاصحاب القطاع للعمل يكون للدليل السياحي الكلمة الاخيرة فيها فيفرض شروطه». النزل أغلقت تاثير تراجع عدد الوافدين الى مدينة قابس اثر كذلك على النزل فاغلقت العديد منها ونشير الى بعضها ذكرا لا حصرا نزل شالة بشنني ونزل سيرتة بغنوش ونزل قصر الامازيغ بمطماطة ونزل نجيب بوسط المدينة وان كان البعض يرجع سبب غلق هذا الاخير الى اسباب اخرى. ومع ذلك فلا يزال اقدم نزل بالجهة قائما يواجه متغيرات الزمن ويقف شاهدا على عراقة السياحة بقابس فقد حفر على الواجهة الامامية لنزل «الاطلنتيك» تاريخ يعود الى سنة 1926 ويؤكد صاحبه انه تاريخ بنائه ويذكر على ما يرويه كبار السن ان ثعلب الصحراء الجنرال الالماني «رومل» اقام زمن الحرب العالمية الثانية بالغرفة 12. آفاق واعدة تطوير قطاع السياحة بولاية قابس ينطلق من رصد اعتمادات كبيرة للحد من التلوث الهوائي والبحري كعائق اساسي امام تطور الاستثمار السياحي ومن تطوير وتعصير شبكات الطرقات ودخول المطار طور الاستغلال واحداث منطقة سياحية بشط الحمروني من معتمدية قابسالجنوبية واخرى استشفائية بخبايات الحامة. فقد تم تخصيص اعتمادات تصل الى 54 مليون دينار لتهيئة المنطقة السياحية بشط الحمروني لاحداث قطب سياحي على مساحة حوالي 325 هكتارا بطاقة استيعاب تصل الى 10 آلاف سرير وتتكون المنطقة من 8 فنادق و13 مقسما للمساكن الفندقية و15 مقسما للتنشيط و22 مقسما للمحلات التجارية وملعب «غولف» ومنتزه ومناطق سكنية كما تم الشروع في تهيئة البنية الاساسية الخارجية للمنطقة الاستشفائية بالخبايات الواقعة على بعد 12 كم من مدينة الحامة باعتمادات 4700 الف دينار على مساحة 142 هكتارا وتتكون هذه المدينة الاستشفائية من فندق ومحلات تجارية ومحطة استشفائية وقاعات مؤتمرات ومساكن فردية وجماعية ومن المتوقع ان تصبح هذه المنطقة ثاني اهم قطب سياحي استشفائي ببلادنا باستقطابها حوالي 1500 طالب للاستشفاء موفرة حوالي 1000 موطن شغل جديد.