«اشتغلت على جانب الطرافة حتى لا تكون امتدادا للسائد من مواضيع العشق والهجران واللوعة.. لذلك اخترت موضوعا مخالفا يعكس حنينا لأجواء الدراسة».. هكذا كان تعليق الشاعر الغنائي المولدي حسين صاحب كلمات أغنية «التصويرة» التي توجت مؤخرا في الدورة الأولى من أيام قرطاج الموسيقية. تتويج ينضاف الى نجاحاته العديدة سوى من خلال مشاركات في مهرجان الأغنية التونسية أو من خلال الأغاني التي أدتها عدة فنانات كسنيا مبارك ورحاب الصغير وحيدر أمير وأماني السويسي ورؤوف عبد المجيد وغيرهم عكست هذه التجارب دقةّ الصور الشعرية وعمق المواضيع المطروحة ورفعة القيمة الفنية لهذا الشاعر الذي التقته «الشروق» في عدة مواضيع وهذه التفاصيل: هل كانت «التصويرة» كما تصورتها؟ نعم بكل تأكيد فقد أحسن محمد دحلاب أداءها وإيصال معانيها وللحقيقة منذ التحضير لهذه الأغنية كانت هناك عدة مؤشرات توحي بتميّزها فمنذ قراءتها على مسامع بعض الأساتذة الذين يعملون معي تفاعلوا الى حدّ البكاء الشأن نفسه كان لمحمد عند أول التحضيرات حيث انزوى في احدى الحصص التدريبية وتأثر حدّ البكاء فكان هذا التفاعل مؤشرا هاما لعمق الأداء والتلحين وإخراج الأغنية في أبهى حلّة. هل تخوفت من تركيبة اللجنة والتي ضمّت بعض الأسماء غير التونسية وذلك من حيث لهجة أغنية «التصويرة»؟ طرحت هذا السؤال على السيد جمال سلامة فأكد لي بأنها كانت مفهومة واستصاغ لهجتها وكلماتها دون صعوبة الشأن نفسه بالنسبة لبقية أعضاء اللجنة. ماذا يعني لك هذا التتويج؟ له طعم خاص بالنسبة لي بحكم البعد المغاربي لهذه الدورة ولوجود لجنة تحكيم محايدة ويعتبر هذا التتويج تفنيدا لمن يعتبر أن أزمة الأغنية تكمن في النص في وقت أن الأزمة تكمن في المجال الاعلامي لهذه الأغنية وهناك من اعتبر أن هذه الأغنية أغلى تصويرة للاعتبارات فأجبناه بأنها أحلى تصويرة للاعتبارات التي ذكرتها أيضا لأنها خلفت فنانا قالوا عنه أثناء وبعد الدورة إنه «مشروع لصابر رباعي جديد» نظرا لحضوره وامكانياته الصوتية العالية فالقيمة المالية هامة ولا شك ولكن الأهم هو انطباعات كبار الفن مثل شريفة فاضل وعبد الوهاب الدوكالي وكمال الفرجاني وتشجيعاتهم التي ليس لها مقابل. كيف تصف واقع الشعر الغنائي التونسي؟ اشعر يحيلنا علي الصورة وأغلب ما نسمعه اليوم هو رصف كلمات لا ترتقي بالأغنية الى الشاعرية، صحيح المضمون هام ولكن صياغة المضمون والتعبير عنه لا يقل أهمية فما نستمع إليه اليوم والذي في أغلبه يعكس استسهالا لنص الأغنية. هل يخفي الفنان الأضواء عن الشاعر؟ الحاج اللجمي سمعته مرة يقول «جمهور اليوم يسمع بقدميه»، فالجمهور أصبح شماعة نعلق عليها أخطاءنا فخوفي ليس من الجمهور ولكن من أن تفقد الأغنية التونسية هويتها. أيّ مصير تتوقعه للشعر في عصرنا الراهن؟ هذا يرجع لدور الشاعر بقدر ما يتمسك ويحرص على الشروط الفنية الدنيا للنص بقدر ما ينفتح ويبتكر ويتماشى مع تطورات العصر فلا مجال اليوم لتشبيه جمال المرأة بالقمر لا بدّ من الحديث عنها بلغة معاصرة وهذا ما يفسر توجهي لمجموعة من الفنانين الشبان مما يفرض عليّ توجها في الكتابة دون السقوط في الابتذال أو التجرّد من الهوية. الى أي حدّ تعتبر أن المغني يهتم بدرجة أولى بالقيمة الشعرية؟ هذا راجع للمستوى الفني والفكري للمغني وهناك بالفعل من لا يجيد اختيار أغانيه ولا يحسن اختيار النصوص وينطبق عليهم المثل الشعبي «يغني وجناحه يرد عليه». هل وجدت نفسك في وضعيات تكتب شعرا حسب شروط المؤدي واختياراته؟ أرفض ذلك ولكن هناك جلسات لتبادل الآراء، فأماني السويسي مثلا طلبت مني أن أكتب لها نصّا يتضمن كلمة «توحشتك» وكانت الأغنية التي شدّت العديد خاصة المشارقة. لو يتم تخييرك بين شعر مبتذل يشهره مؤدّ معروف وبين شعر راق يبقيه في الظلّ ماذا تختار؟ «منّا حارّة ومنّا تكوي» أفضّل نصّا راقيا لأن الشعر أمانة بالنسبة لي ومتى احترمت نفسي فأكيد سيعاملني الجمهور بالمثل. كيف تفسّر انتشار النصوص المبتذلة من خلال أغاني جلبت الشهرة لأصحابها؟ أن يتعود الجمهور على نمط معين من الأغاني يساهم بلا شك في هذه الشهرة الزائفة. ربما تقول ذلك لأنك لا تقتات من الشعر؟ نعم لا أقتات من الشعر بحكم وظيفتي ولكن مهما كانت الأسباب لا يجوز للشاعر أن يحيد عن أبعاد الشعر السامية وقد يضطر البعض لأمور حياتية لا غير قد تكون ظرفية. إذن أنت تجد مبرّرا لذلك؟ لا يوجد أي مبرّر ولكن لست مثاليا فأنا واقعي ولا بد من الحفاظ على قيمة الكلمة الغنائية فلا يعقل أن تصل أغانينا درجة كلمات من نوع «فسخ ميساجاتي» وغيرها من الألفاظ المبتذلة البعيدة كل البعد عن الشعر وأبعاده ومفاهيمه لا بدّ أن يظلّ الشعر رسالة ولا تجارة. مقارنة بالشعر العادي يُقال إن الشعر الغنائي طريق الى الثروة السريعة، ما رأيك في هذا المذهب؟ الشعر لا يقيّم بأيّ ثمن لذلك تبقى الكلمة وتندثر الأموال. حسب رأيك من يشهر الآخر من الثالوث التالي: المؤدي، الشاعر والملحن؟ سأجيبك على لسان «أم كلثوم» التي كانت تقول إن «الشاعر هو الأب الروحي للأغنية» وأنا أؤمن أن الأغنية رسالة والرسالة تمرّ بالأساس عبر النصّ. هل تشاطر الرأي الذي يعتبر أن المؤدي هو الذي أصبح الأب الروحي للأغنية؟ نعم هو عصر الصورة وشكل الفنان ولكن هذا الواقع سوف لن يستمر فحبل الرداءة قصير وإن طال. مَنْ منَ الأصوات التي لم يسبق أن تعاملت معها تريدها أن تغني أشعارك؟ هناك العديد لا أريد أن أظلم أحدا بالتغافل عن ذكره فلنا عدة أصوات ممتازة والتي لا بدّ أن تحرص على دقة اختيار أشعار الأغاني التي تختارها. من يعجبك في اللون البدوي؟ بلقاسم بوڤنة خاصة في النصوص التي يختارها كذلك زهرة لجنف. ماذا بعد أيام قرطاج الموسيقية؟ هي محطة هامة جدا في مسيرتي وعملي متواصل ولي عدة مقترحات بصدد تفعيلها إضافة الى مشروع «أروى القيروانية» مع سنيا مبارك الذي سيرى النور قريبا إن شاء اللّه.