بين مخاطر انفصال الجنوب وتعطل المفاوضات مع متمرّدي دارفور يقف السودان اليوم في مفترق طرق لعلّه الأخطر والأصعب في تاريخه الحديث. فقبل أيام من إجراء استفتاء تقرير مصير جنوب السودان وما يعنيه هذا الاستحقاق من ضغوط نفسية وسياسية على الحكومة السودانية، لا تزال الحركات المسلحة في إقليم دارفور بعيدة عن انتظارات حكومة عمر البشير التي قالت انها لم تدّخر جهدا في وقف القتال في دارفور وإنه على الطرف الآخر الالتزام بما تمّ الاتفاق عليه من وقف لإطلاق النار في الاقليم وانها على استعداد للاستماع الى جميع مطالب الحركات المسلحة والاستجابة لمطالب أهل دارفور. ويبدو أن هذه الحركات قد استغلّت الوضع الدقيق الذي يمرّ به السودان لفرض مزيد من الضغوط على الحكومة، ولخلق توترات لا تخدم السودان في شيء خصوصا وأنه يستعدّ لبتر الجزء الأسفل من جسده ولا يرغب البتة في أن يخسر أيضا الجزء الغربي منه. وممّا يضاعف الشكوك في أن حركات التمرد في دارفور قد «تحالفت» مع الجنوبيين لإحراج حكومة الخرطوم هو ما جاء على لسان وزير الخارجية السوداني علي كرتي من تحذير للحركة الشعبية (كبرى حركات الجنوب) من أن استضافتها لأي عناصر من الحركات المسلحة في دارفور هو بمثابة إعلان حرب على الشمال. ولا شكّ أن هذه التحذيرات تغذيها مخاوف جدية من حصول السيناريو الأسوأ للسودان، وهو أن تصبح الخرطوم محاصرة من دولة انفصالية لها امتداداتها وعلاقاتها المتينة مع اسرائيل ومن إقليم تغذّي التدخلات الخارجية نزعته نحو الانفصال وتُمعن الحركات المسلحة فيه في ابتزاز حكومة شمال السودان قصد إضعافها وإجبارها على تنازلات قد لا تُبقي من السودان سوى بضع دويلات مفتّتة ومتناحرة، وهذا ما يريده أعداء السودان في الداخل والخارج.