الأحداث الأليمة التي جدّت في بلادنا خلال الاسابيع الماضية تركت حسرة في نفوس كل المواطنين مهما اختلفت انتماءاتهم، فأرواح ودماء التونسيين غالية على الجميع، والعنف والتخريب مرفوض ومنبوذ. صحيح ان الاحتجاج ورفع المطالب الاجتماعية والتحركات وكل الأشكال التعبيرية مقبولة ومشروعة، لكن الانزلاق بها الى ما لا يحمد عقباه والانخراط في الفوضى والتخريب أمر مرفوض ويتنافى مع قيم المواطنة والتحضّر. وفي هذا السياق تندرج قرارات رئيس الدولة أمس الداعية الى اطلاق سراح كل المعتقلين الذين تم ايقافهم خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها عديد المدن التونسية، وهي خطوة إيجابية تدفع الى تهدئة النفوس وتعميق التسامح والدعوة الى تجاوز ما حصل. ولاشك ان القرار الرئاسي بإحداث لجنتين للتحقيق في موضوعي الرشوة والفساد وأخطاء بعض المسؤولين والتجاوزات الحاصلة أثناء الأحداث الأليمة يكشف رغبة صريحة في ترسيخ ثقافة المحاسبة، التي غابت والحقيقة تقال في السنوات الماضية، والتأكيد أن لا أحد يمكن أن يكون فوق القانون مهما كانت مسؤوليته او وضعيته إذا أخلّ بواجبه أو قام بتجاوزات تضرّر منها أفراد او المجموعة الوطنية. وإذا أضفنا الى هذه القرارات حزمة القرارات المعلن عنها خلال الايام الماضية والرامية الى خلق مواطن الشغل وموارد الرزق للعاطلين وإلى دفع التنمية الجهوية ودعم التوازن بين كل المناطق، نلمس إرادة واضحة في تعديل وإصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية ورغبة في مزيد تعميق التحاور والتشاور بين كل مكوّنات المجتمع المدني وتوسيع رقعة الحريات العامة والممارسة الديمقراطية. هذه خطوات مهمة من أصحاب القرار توفّر أرضية ملائمة لإستعادة الهدوء والتصرف بعقلانية وحكمة والتأكيد على أن كل التونسيين استخلصوا العبرة وفهموا الدرس، وتلك أهم دوافع الانصراف الى العمل الجماعي الجادّ والمثمر الذي يفيد الجميع.