انتصرت إرادة الجماهير وفازت بما أرادت من كنس نظام الطاغية.. أسبوعان ونيف فقط مرت على فرار الطاغية أمام تفجر الغضب الشعبي.. أسبوعان فقط هما عمر الجمهورية التونسية الثانية..وتتلاحق الأحداث ومنها ما هو ايجابي في ترتيب بيت جرى تخريبه على مدى ثلاث وعشرين سنة..واهم هذه الايجابيات الموقف الوطني الذي اتخذه اتحاد الشغل بتحركه لإعادة عجلة الإنتاج وهو موقف لايمكن إلا الإشادة به ولكن...هناك شوائب طفت على السطح فيها من الخطورة ما يهدد ما تحقق من مكاسب. بداية نقول إن ما تراكم من أوضاع سيئة كثير..وكثيرة هي الفئات أو المؤسسات أو حتى الأشخاص الذين لحقهم حيف أو تعرضوا لظلم وإنكار حقوق ومن حق هؤلاء جميعا أن يرفعوا عقيرتهم للاصداع بحقيقة أوضاعهم والمطالبة بتحسينها. ونبدأ بالموضوع الأهم وهو الأمن ، اليد التي تساعد على نشر العدل.. والعدل أساس العمران...فسلك أعوان الداخلية بمختلف أصنافهم لهم مطالب وهي مشروعة ومن حقهم المطالبة بها..ولكن أن يصل الأمر إلى حد امتناع رجال الأمن عن القيام بمهامهم الحساسة والضرورية أكثر من أي وقت مضى فان ذلك يرتقي إلى درجة المساومة بأمن الوطن وصورة الثورة بل ومصيرها..وحق الدفاع عن الحقوق بأسلوب إحداث الفراغ يوشك أن يتحول إلى سياسة شمشون (علي وعلى أعدائي) ولا شك أن أيا من أبناء تونس ليس عدوا لأخيه وشقيقه وشريكه في المصير.. صحيح أن النظام السابق أسهم في إعطاء صورة لرجال الأمن لا يستحقونها وعلى المواطن أن يفهم أن هذه الشريحة تعمل بأوامر ليس من السهل التمرد عليها وعدم تنفيذها وان ما حصل يندرج في سياق منظومة كاملة من الفساد والإفساد..على المواطن أن يدرك أيضا أن الشرفاء كثيرون في سلك الأمن وان الوقت لم يفت على محاسبة من هو حقيق بالمحاسبة..كما على رجل الأمن أن يدرك أن استقالته من واجبه لا يمكن لها أبدا أن تمحو ما لحق بصورة الجهاز من شوائب بل ربما تزيد في تشويهها وتعمق الفجوة بين رجل الأمن والمواطن...بل إن قيام رجال الأمن بواجبهم كاملا في هذا الظرف هو وحده الكفيل بإعادة الثقة وبناء جسور المحبة والتعاون ناهيك أن المواطن مقتنع تمام الاقتناع بان على الدولة أن تعير هذا الجهاز ما يستحقه من رعاية على أن تتواصل مطالبة هؤلاء بحقوقهم المشروعة في إطار من الانضباط والتفاني في خدمة الوطن وحماية مكاسب الشعب وثورته. ومن العيب مثلا أن نرى معاهد يسطو عليها مشبوهون مغتنمين فرصة غياب رجال الأمن فتتعطل الدراسة.أوليس بين التلاميذ من هم أبناء رجال الأمن أنفسهم؟ أوليس بين المواطنين الآمنين المعتدى عليهم قريب لهم؟ ظاهرة سلبية أخرى طفت أيضا على السطح وهي تعمد البعض اغتنام فترة التحول الحساسة التي تمر بها بلادنا لتصفية حسابات قد تكون شخصية مثل محاولة البعض طرد موظفين من مواقعهم والزحف على مؤسسات بعضها في منتهى الحساسية..قد تكون المطالب صحيحة ومنطقية لكن الظرف لا يسمح أبدا بإرباك سير المؤسسات والوقت متاح بما يكفي وزيادة لمحاسبة المقصرين أو غير المرغوب فيهم في قادم الأيام.. ولا أحد يستطيع أن يوقف عملية التصحيح بعدما كسر الشعب حاجز الخوف وأصبحت العيون ساهرة متيقظة لكل تجاوز أو إمكانية تدخل من منطلق المحسوبية أو التستر على الأخطاء والممارسات. انه بقدر ما سارت عملية تقويض النظام بإبداع أصبح مثلا يحتذى بقدر ما أصبحت مكاسب شعبنا مهددة بممارسات غير محسوبة..وعلى الجميع ان يدرك ان هناك قوى كثيرة تتمنى بل وتعمل على تشويه صورة الثورة..قوى من الداخل واخرى من الخارج تسعى الى نشر الفوضى وشحن العواطف والحساسيات واستغلال الحماس الزائد وأحيانا بعض الغوغاء من قصيري النظر والصائدين في الماء العكر...ان اليقظة واجبة اكثر من أي وقت مضى لتفويت الفرصة على هؤلاء والحفاظ على نقاء الثورة والشروع في اعادة عملية البناء على اسس سليمة..فيا ابناء هذا الوطن لا تغلوا في ثورتكم وفي مطالبكم المشروعة حتى لا نصبح نادمين.. ولنعلم جميعا ان عملية التصحيح والبناء ليست سهلة ولا هينة ويجب الا تكون متسرعة ولنعتبر بتاريخ ثورات سبقتنا وتجارب شعوب قبلنا فنحن نمشي على حد سيف فإما حكمة وصبر ونجاح وإما فوضى وتسرع وشطط وخسارة لا سمح الله لن يغفرها لنا التاريخ ولا أبناؤنا ولا الشعوب من حولنا التي انتفضت تستلهم من ثورتنا الدروس وتتخذ منها النبراس الذي يرسم أمامها طريق الخلاص