طالعتنا هذه الأيام ونحن في نشوة الفرحة الكبرى بثورتنا العظيمة وعبر الوسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية أو عبر الفايس بوك أصوات ناعقة تدعو الى التفرقة بين الجهات وتكرس الجهويات ونحن شعب واحد لا تفرق بيننا مذاهب دينية أو ألوان لغوية، بل جمعت بيننا الأفراح والأتراح وربطت محبتنا لوطننا العزيز واخلاصنا له وقواسم المصير المشترك حتى صورونا وكأننا قبائل متناثرة لا يجمع بينها شيء. فقالوا هذا شمالي وذلك ساحلي أو من وسط الجنوب وبلاده. ففرقوا بيننا قهرا على الورق لأنهم مهما فعلوا فلن يستطيعوا أن يفعلوا شيئا سوى النعيق في واد مهجور. فالساحلي هو أخ الجندوبي والقصريني والبوزيدي والمدنيني والقفصي هو شقيق التوزري والصفاقسي والمنستيري والبنزرتي والقيرواني. وفي تونس كلهم أشقاء. فالتطاويني هو شقيق أبناء قبلي وبنزرت والكاف وأريانة والعاصمة وأبناء منوبة هم أشقاء أبناء سليانة ونابل وباجة وزغوان وسوسة وبن عروس والمهدية. كل هؤلاء قاوموا الاستعمار وحرّروا البلاد وكلهم ساهموا في ثورة الخبز وكلهم صنعوا ثورة الياسمين وكلهم خدموا البلاد التي كادت أن تكون في أوج نهضتها لو لم ينهب نظام الرئيس المخلوع خيراتها ولو عرف كيف يستخرج خيراتها. لقد أسعفني الحظ بأن عرفت كامل ربوع البلاد انطلاقا من ظروفي المهنية وصولا الى طبيعة نشاطي الاعلامي الكتابي والمسموع. فوجدت في كل شبر من وطني أرضا تنطق حضارة وأصالة وخيرات طبيعية. ووجدت مناطق محرومة وأخرى مسلوبة ومنهوبة ووجدت مظاهر ترسخ زرع الأحقاد والضغينة والتفرقة والبغضاء لكن وقد رحل اليوم الطاغية وزبانيته لا تصبوا يا أحرار تونس البنزين فوق النار التي تركوها وأرادوا أن نحرق بها أنفسنا. بل أطفأوا ما خلفوه لنا من بقايا لهيب بالتحابب والاخاء والتضامن الحقيقي فحاضرنا واحد ومستقبلنا واحد ولنغني جميعا بصوت واحد، أمجاد يا توانسة أمجاد.